الاتفاق الأردني الروسي

لم يسبق للأردن أن حاز من قبل على هذا القدر من هامش المناورة في السياسة الخارجية، دون أن يتكبد خسائر من رصيده في العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية. ففي غمرة التحليل والمتابعة للاتفاق الأردني الروسي بشأن تنسيق العمليات في سورية، لم يلتفت البعض إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي بارك فيه الاتفاق، وقال بالحرف الواحد إن الولايات المتحدة "لاتعارض الاتفاق العسكري بين الأردن وروسيا". وأضاف: "ليس لنا أي تحفظ على هذا الجهد، وقد يساعد على التأكد من أن الأهداف المقصودة هي الأهداف التي يجب أن تكون".
على المستوى الإقليمي، لم يصدر أي رد فعل يوحي بتحفظ حلفاء الأردن على هكذا خطوة، وليس متوقعا حدوث ذلك، خاصة أن الأطراف المقصودة منخرطة في مناقشات عميقة مع الجانب الروسي للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، فيما ذهبت دول أخرى في المنطقة أبعد من ذلك عندما أبرمت اتفاقيات مماثلة مع روسيا لتنسيق العمليات الجوية، والضربات الجوية التي تستهدف الجماعات الإرهابية في سورية.
لا حاجة هنا للتذكير بأن الولايات المتحدة كانت السباقة في توقيع اتفاق مع روسيا لتنسيق العمليات الجوية.
لكن من السذاجة القول إن الاتفاق الأردني الروسي عسكري بحت، ومجرد من المعاني السياسية، وإلا لترك للعسكريين من الطرفين الإعلان عنه، أو حتى حفظه طيّ الكتمان، كما هو حال اتفاقيات عديدة بين جيوش عالمية. بيد أن الطرفين منحا الخطوة طابعا سياسيا عندما توجه وزير الخارجية ناصر جودة إلى فيينا، وأعلن مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عن الإتفاقية.
الوزير جودة الذي يختار كلماته بعناية، قال للصحفيين عقب الاجتماع: "آمل بأن تكون آلية التنسيق هذه فاعلة لمحاربة الإرهاب في سورية وخارجها". ما يعني أن الاتفاقية تؤسس لتعاون أشمل بين البلدين.
الحكومة وعلى لسان الناطق باسمها، وزير الإعلام محمد المومني، لم تكتف بتعريف أهداف الاتفاقية ومدى ارتباطها بالمصالح الوطنية الأردنية، بل ربطتها بالحل السياسي في سورية، والتعاون"القديم" بين الأردن وروسيا على كافة الصعد، حسب قول الوزير المومني.
في ضوء هذا التطور، يمكن القول إن الأردن الذي اتخذ موقف "الحياد الإيجابي" من التدخل الروسي في سورية، قد انتقل إلى حالة "التفاعل الإيجابي" بعد توقيع الاتفاقية الأخيرة.
وفي الحالتين، فإن ما يحكم الموقف الأردني المتفاعل مع التطورات، هو المصالح الأردنية بالدرجة الأولى، والموقف المبدئي من الجماعات الإرهاب