لماذا يفعلُ الكُفّار بنا ذلك ؟!

خلال أول 24 ساعة بعد انتخابه، طالعتُ بالمصادفة، على مواقع التواصل، عدة أنشطة لرئيس الوزراء الكندي الشاب جاستنترودو، أحدها كان في مسجد وهو يلبس زيّاً يشبه الزي الأفغاني المعروف ويتناول الغداء مع ناخبين مسلمين آسيويين سعيدين بفوزه، وبعد ذلك كان يؤدي بحماسٍ بالغ واتقانٍ ملفت رقصة هندية مع مجموعة من الرجال والنساء من الناخبين من أصول هندية يحتفلون بفوزه، وبعد قليل كان ببدلته الانيقة ( ووسامته التي تدعو الرجال للغيظ صراحةً ) في محطة باصات يتصور "سيلفي” مع فتاة محجبة ومرحة !
(حدث ذلك بالطبع دون أي مرافقين يلبسون نظارات سوداء ويرفعون طرف الجاكيت لإظهار المسدس).
لكنَّ ما يلفتُ أيضاً هو نبرة التحسّر التي ينشر بها المتابعون العرب هذه الأخبار، وهم يتطلَّعون بجوع الى هذا النمط من الدول ومن الأشخاص، ويحدِّقون في صورهم وفي تصرّفاتهم كأنَّهم كائنات فضائية !
وفي ظنَّي أن المواطن العربي يعاني من انفصام خطير بهذا الخصوص، وقد تأكَّد ذلك بعد حرائق الربيع العربي، وفرص الانتخاب التي أتيحت لهذا المواطن، والذي في بعض الدول وجد نفسه أمام فرصة تاريخية للتصحيح، لكنَّه اختار العودة للوراء عن سابق تصميم وعناد !
لا أريد هنا أن أدافع عن صورة السياسي العربي المتكرش وشبه الأمّي الذي لا يعرف شوارع بلاده، والذي يظل مسؤولاً يركض خلفه 20 رجلاً من الحرس الى ان يشاء الله !
لكنِّني أيضاً لستُ متحمِّساً للدفاع عن المواطن العربي الخامل، المتمنّي، المتشهّي، الحالم، المحلّل والمخطّط الاستراتيجي، والذي حين يتاح له الانتخاب يسارع الى بيع صوته بـ "جرّة غاز” أو ينتخب قريبه الثمانيني ليدبّر له ابنه بوظيفة مراسل، أو شيخ الجامع الذي أقنعه بأن في انتخابه له منجاة من عذاب القبر !
هؤلاء المسؤولون الأوروبيون الذين يضع المواطن العربي صورهم على مواقع التواصل مبهوراً بما يفعلون؛ فترى أحدهم يذهب الى رئاسة الوزراء على "بسكليت”، وآخر واقفاً في المترو ولم يتبرع أحد لإعطائه مقعده، أو آخر وهو يعبئ سيارته بالبنزين بيده، وآخر يسقي الزرّيعة، ووو ... لا يثيرون الدهشة عند شعوبهم بتصرفاتهم هذه، فهذه هي طبيعة الأمور هناك، وليسوا صناعة ماكينات، أو "فوتوشوب”، فهم أبناء ثقافتهم، ومجتمعهم، ومواطنوهم كلهم كذلك، وهذا ما لا ينتبه له "المتحمّس العربي” وهو ينبهر بهذه الصورة !
لم يسأل المواطن العربي نفسه مرة وهويتحسر أمام هذه النماذج التي لا تشبه مسؤوليه، هل أشبهُ أنا المواطن هناك ؟!
المسألة معقدة، والخوض فيها شائك، وقد تبدو لوهلة وكأنك تدافع عن ثقافة السلطة، وتتجنَّى على المواطن المغلوب على أمره، الذي جوَّعوه وسلبوه حريته وحرموه حقوقه ووو .. الى آخره من هذه الإسطوانة العربية المعتادة، والتي استمرأها المواطن العربي ليبرّر كسله وعجزه وتخلفه عن باقي الشعوب !
لكنّني لا أتردّد في القول ان المواطن شريك أساسي وفاعل في التخلف وفي الديكتاتورية وفي الجهل، وفي انتخاب من يكرّسون الأمّية، ويجمّدون التاريخ عند أمجاد قديمة نصفها ملفَّق.
وأختمُ بحكاية قصيرة جدا قالها لي صديق هذا الأسبوع حدثت مع كاتب صديق لنا من ضمن اللاجئين الى ألمانيا، يقول أن الحكومة الالمانية بعد ان أعطته بيتاً له ولعائلته، اكتشفت بعد شهرين أنه كاتب معروف ومشهور، فمنحته بيتاً آخر في منطقة ريفية ليخصصه للكتابة فقط !
وهنا قفز ليقاطعنا مواطن يُمثّل العقلية العربية تماماً فقال : " لو مكانه بأجّره لعيلتين او تلات من هاللاجئين وبقعد بلا شغل " !