الاردن لا إصلاح منظور للنسق
تحديد ماهية خصائص وسمات والوان الطيف لقوى سياسية واجتماعية واقتصادية قادرة ومقتدرة على الاصلاح العام لاحداث ثقب واسع وعميق في جدار الوضع القائم في مشهد الحياة السياسية في محاولة جادة للاجابة عن مدى امكانية تحقيق الشعارات التي يرفعها المحتجون في البلاد تحت عناوين " الشعب يريد إصلاح النظام " ، لولوج مرحلة التداول السلمي على السلطة وفق شروطها ومتطلباتها واشكالها في الدول الديمقراطية .
التظاهرات المشروعة التي حملت الشعار المطروح حاليا " إصلاح النظام "، ومع كل الاحترام للشباب والمخضرمين ممن شاركوا فيها ، تهدف الى الضغط على النسق بإتجاه ايجاد بيئة حاضنة للاصلاح العام وتغيير منهجية عقلية القبيلة السائدة في الحكم/ المنهاج الكلوبي/ ؛ لكن التجربة الاردنية في الاصلاح العام ؛ تظهر ان مكمن الخلل في الاساس هو في الثقافة الاجتماعية المتوارثة للارادنة، التي كرسها منهاج " كلوب باشا " في الادارة والحكم الذي مازال سائدا.بالاضافة الى تعقيدات النفوذ الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه انظمة إقليمية صاحبة ثروات طائلة/ المال النفطي/أصبحت مسخرة في خدمة المخطط الاستعماري والمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة .
وهل تصطدم مطالب المتظاهرين الاحتجاجية الذين صعدوا من اساليب المطالب الى إعتصامات دائمة /24 أذار/ في ميدان جمال عبدالناصر/ بعقلية منهاج " كلوب باشا " التي مازالت سائدة في الادارة والحكم ؟!!!. وهل إستجابة النسق لمطالب " ثورة " الشباب السلمية وفق شعار " الشعب يريد اصلاح النظام" غير واردة ؟!! ، الجواب ؛ هو أن الخلل البنيوي الاجتماعي في البلاد الذي كرسته ثقافة إجتماعية سائدة ومتوارثة ؛ يعتبر العنصر الاساس في تحكم وسيطرة منهاج " الكلوبية " مازال قائما وغير قابل للفكفكة في ظل استمرارية الوظيفة الاقليمية للنسق في اطار المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة . وان صراع "المدّ والجزر" الدائم بين مبادئ وقيم البداوة والحضارة ، لم يحسم لصالح الاخيرة ؛ لاسباب عديدة ومتنوعة .
فثقافة القبيلة السائدة و" ووظيفة النسق الاقليمية " / منهاج كلوب باشا المتوارث/ ، وانسجامهما في الدور والاداء وصراعهما مع الحضارة ، يشي الى انتكاسة في التفاعل مع معطيات ومتطلبات " الثورة " الشبابية الملتهبة على إمتداد الوطن العربي التي انطلقت من تونس الخضراء ومصر الكنانة وتزحف الى باقي اجزاء الوطن العربي .
تعيش القوى القوى والحركات السياسية اليوم بين جنبات نسق سياسي ، تحجم عن قراءة توازناته الداخلية والخارجية بدقة في ضوء ممارسات تراوح الزمان والمكان ، تراجعا فعلا "للخلف در" وسياقات إئتلاف فئات البزنس والاقطاع السياسي ومجموعات المافيا إلافسادية وأذرعها في الداخل والخارج ووظائفها ، وعن معاينة تأثير مرجعياته الداخلية والخارجية معاينة جديدة وفق متطلبات مشروع دولي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين على حساب مستقبل الاردن وفلسطين السياسي .
إعادة تأسيس الرؤية للاحزاب والقوى السياسية لمواجهة الدور السياسي الجديد لائتلاف فئات " البزنس والاقطاع السياسي ومجموعات الافساد المالي والاداري واذرعها في الداخل والخارج وفق سياسة " الاستحضار غب الطلب " لقوى اجتماعية لاعطاء شرعية لسياسات مطلوبة للاندماج في النظام العالمي القائم والمكرس لحماية المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ، ضرورة مطلوبة في صياغة الحياة السياسية الجديدة ،
حزمة التشريعات الناظمة للعمل السياسي غير مستكملة في النظام القانوني المحلي ، بل غائبة عن رؤى المخطط الاستراتيجي لمستقبل الاردن السياسي ، لان الارادة السياسية غير متوافرة في التعاطي مع متطلبات وشروط واشكال ممارسة مبدأ التداول السلمي على السلطة ، لان قانونيين الانتخاب والاحزاب السياسية والاجتماعات العامة على اهميتها غير كافية لعملية الاصلاح المطلوبة في كيفية ولوج مرحلة التداول السلمي على السلطة وفق شروطها ومتطلباتها واشكالها في الدول الديمقراطية .
منظومة هياكل سياسية ، وحزمة تشريعات ناظمة للعمل السياسي الحزبي ؛ مقدمة للتحول الى مبدأ التداول السلمي على السلطة ، الامر الذي يحتاج الى تعديلات دستورية جوهرية بالاضافة الى الغاء 36 تعديلا جرت سابقا على دستور 1952 ، اخلت بمبدأ التوازن بين السلطات ومنحت السلطة التنفيذية بالتغول على السلطة التشريعية ، وافسدت النظام النيابي الركن الاساس في العقد الاجتماعي القائم الذي فقد ثقة الناخبين فيه.
لحظة تاريخية مهمة وفاصلة في تاريخ البلاد ؛ شع نورها للارادنة في اخذ زمام المبادرة في الاصلاح العام والشامل في ترسيخ تجربة حزبية سياسية خاصة بيهم ، لولوج مرحلة التداول السلمي على السلطة ، وبغير ذلك ، فان العصبيات ستستمر، وسيستمر " النسق " في المحافظة على مكانته ووضعه القديم ، حتى لو توشح بصفات وخصائص معينة مطلوبة من النظام الدولي القائم بالقيام بإصلاحات معينة ؛ لان ثقافة القبيلة مازالت تقوم مقام الدولة ، فالمواطن البسيط والعادي وليس النخبوي يجد فيها الامن والضمان والرعاية. ومن لا ينتمي الى قبيلة قوية في بادية وقرية قد ينتهي امره الى هلاك، مهما كان مواليا او معارضا "."بمقدار ما يتوقع الفرد من القبيلة ان تشمله بحمايتها، تتوقع القبيلة منه ان يمنحها الفداء والولاء، فهي تسرع الى حمايته والاخذ بثأره، وهو كذلك يسرع الى نجدتها والتضحية في سبيلها في الملمات. انها مصلحة متبادلة بينه وبينها. فهو يتقوى بالقبيلة وهي تتقوى به".
مراقبة التفاعلات داخل النسق تشير الى أنه لو قيّض لاي من " احزاب المراحل " ان تتسلم السلطة وفقا لقانون انتخاب جديد بدون التحول عن عصبية القبيلة السائدة في الحياة السياسية سنعود من جديد الى المربع الاول ، لانها لم ولن تقدم إصلاحات حقيقية للاسف تليق بالشعار المطروح حاليا "إصلاح النظام " ؛ لان التجربة الحزبية مازالت بالمهد ، فالدليل واضح على انسجام احزاب المراحل بالعصبية القبلية. ، ناهيك عن اداء المؤسسات الموازية و دور العوائل الحاكمة الموازية السلبي في ترسيخ العصبيات القبلية في الحياة السياسية وافرغت النسق من اجيال قيادية راشدة ، بعد عمليات الاقصاء المنظمة للزعمات الوطنية منذ قيام النسق .
نعم ؛ فإن " أحزاب المراحل " قد تحولت الى عصبيات قبلية، ثم انفجرت داخليا وانقسمت على انفسها، ولاحقا تحولت الى فروع ملحقة ب" دائرة المخابرات العامة " المسيطرة على المشهد السياسي في البلاد. أصبحت غير قادرة على احداث الاصلاح المطلوب لتطوير حياة سياسية فاعلة ، هذا الوصف يكاد يتطابق مع مبدأ المحسوبية في الاردن، وشبكات المحسوبية في النسق تظهر حتى داخل القبيلة – الحزب ، بحيث انقسم اركان الحكم الى فرق متنابذة، وفي اوقات تظهر هذه الفرق باسماء ولاتها الى العلن، وتنشقّ، مثل في تجارب "الحرس القديم "، او "مجموعات الليبراليين الجدد "، وكل هذه ظهر في مراحل مختلفة – اجنحة ومواقع عليا وقيادات امتيازات ومنافع .
سياسة وضع أعيان المنابر في المزابل ، ورفع شخوص المزابل الى أعيان في المنابر ؛ والاعتماد على ما يعرف ب " شراشيب الحرج " من ابناء العشائر والقبائل والجهويات والاقليات العرقية والطائفية ؛ هي عملية اقصائية منظمة لشخصيات سياسية واقتصادية وطنية مؤهلة للزعامة الوطنية والقيادة السياسية والعسكرية والامنية لادارة البلاد ، شكلت احدى الركائز الاساس ل " ألمنهاج الكلوبي " السائد .
لماذا يتخوف الارادنة في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من تطوير الحياة السياسية في البلاد عبر تعديلات دستورية جوهرية للوصول الى عقد اجتماعي جديد ؟!!! ، لإن المواطن مغلوب على امره ، حتى في علاقته مع " النسق " ، الى انه يستقوي بحزبه – قبيلته ، التي تسيّر اموره. في المقابل، يمنح الاردني ولاءه السياسي والانتخابي لحزبه – قبيلته ، حتى لو كان هذا الحزب – القبيلة في خيار المولاة والمعارضة ..
في الواقع ؛ ان " الرجل القبلي " يستنكف ان يطالب بحقوقه عن غير طريق السيف والغلبة. وهو يحتقر الاخر لانه لا يلجأ في المطالبة بحقوقهم الى الاسلوب الحضري . الامثلة الاردنية التي تنطبق على سيطرة مبدأ الغلبة على سيادة القانون كثيرة ويمكن ايجازها بمطالبة بعض الجهات "بتطنيش" مطالبات المحتجين ، او الطعن بعدالتها ، وما الاصرار على التريث على تحقيقها الا دليل ساطع على ذلك
ثقافة القبيلة ، أضعفت " النسق " ، لانها باتت تسيطر على عقلية أركانه اليومية ؛ اما الحل؛ فيقتضي حدوث تغيرات اقتصادية – اجتماعية بالرغم أنها شبه مستحيلة في منطقة يسيطر "منهج الريعية " على انماط انتاجها الاقتصادي، فكميات المال الهائلة الناتجة عن مبيعات الثروات النفطية – في بعض دول المنطقة – تصل الى يد رأس النسق ، الذي يقوم بتوزيعها من خلال شبكة ريعية قائمة على عصبايات قبلية. وتمتد القبائل المختلفة عبر الانظمة منها الاردن ، وهو السبب الذي دفع البعض الى تصوير اعتماد سياسات تتعارض مع الثوابت الوطنية والقومية على انها سياسات الاخرين على ارض الاردن .
نقول للمحتجين من جماعة 24 أذار ؛ ان إرادة التغيير في النسق غير متوافرة ، لاسباب كثيرة اشير الى بعضها في السياق ، نعم انكم اليوم تعيشون بين جنبات نسق سياسي ، تحجمون عن قراءة توازناته الداخلية والخارجية بدقة في ضوء ممارسات تراوح الزمان والمكان ، تراجعا فعلا "للخلف در" وسياقات إئتلاف فئات البزنس والاقطاع السياسي ومجموعات المافيا إلافسادية وأذرعها في الداخل والخارج ووظائفها ، وعن معاينة تأثير مرجعياته الداخلية والخارجية معاينة جديدة وفق متطلبات مشروع دولي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين على حساب مستقبل الاردن وفلسطين السياسي . لكن من دون التغيير في انماط الانتاج الاقتصادي او كسب الاجور والمعاش لدى الارادنة ، الذي يجب ان ينتج عن العمل لدى رأسمال ربحي يسعى الى المنافسة، والتي بدورها تحتاج الى كفاءات، مما يقضي على العصبيات القبلية. وعندما يصبح مدخول الارادنة مستقلا عن العصبيات القبلية، يصبح رأيهم السياسي مستقلا كذلك، وتبرز لديهم الحاجة لدولة عملاقة قوية تحميهم جسديا وتحمي مصالحهم المالية من خارج العصبيات والاحزاب – الطوائف والاعراق .
لكن االاشكالية في الاردن تحديدا، والمنطقة بعامة، هي ان ضخامة " المال النفطي " تؤدي الى ابتلاع حتى المصالح الرأسمالية المستقلة، فيلجأ اصحاب المال المستقل الى شبكات قبلية متجددة للاستمرار، وتنعدم فرص النسق" في احداث التغيير المطلوب ، بحيث تصبح هذه "الثروة " اداة تمويل غير مرئية لمجموعات المافيا الافسادية لتنفيذ مشاريع مشبوه في البلاد لتكريس " المنهاج الكلوبي " في السيطرة والتحكم على المقدرات الوطنية ؛ لذا يلجأ النسق واجهزته الى افتعال الازمات وإدارتها لتجاوز المأزق الذي يواجهه بفعل ألاختراق الخارجي للجبهة الداخلية .
النتيجة ؛ لا إصلاح منظور للنسق في الاردن . لإن " المنهاج الكلوبي " هو السائد في الادارة والحكم ، وعلى النسق ان لا يستهبل الارادنة بإفتعال ازمات في الداخل لمواجهة مأزقه التاريخي الناجم من وظيفته الاقليمية ؛ كفى من الضحك ! ؛ بإن احدى مكونات النسيج الاجتماعي هي وراء مايجري من اعتصامات واحتجاجات في المدن والقرى ،وتجيش اجهزة النسق مجموعات " الاستحضار غب الطلب " لافتعال فتنة جديدة ، لان المؤامرة كبيرة تهدف الى إستعانة هذا المكون بخدمات " التدخل الدولي " لحسم الامر لصالحة وتنفيذ المؤامرة المرسومة في دوائر القرار الدولي وحسب مبدأ الديمقراطية وحق الاكثرية .
في الجانب الاخر ؛ على الارادنة التعقل ، وإجراء ميزان مراجعة لحساب الارباح والخسائر من عملية اصلاح كبرى والتحول الى الملكية الدستورية من خلال تحديد صلاحيات الملك لولوج مرحلة التداول السلمي على السلطة ؛ بالحوار الوطني الهادئ والمؤسسي ؛ المؤتمر الوطني الشعبي العام الذي يضم ممثلين عن النسق للخروج بمشروع إصلاحي شامل ز
ليس امامنا خيارات ؛ لاننا لا نملك ترف الانقسام الذي هدَد الجبهة الداخلية بالتصدع والانقسام ، وحتى لا يضرب الوفاق الوطني في مقتل لاستغلال اللحظة التاريخية التي هلت على الارادنة لاصلاح نظامهم السياسي وتجديد هياكله للانتقال الى دولة عملاقة قوية يستند نظامها السياسي الى قواعد اجتماعية راسخة البيان ، وليتمكن الارادنة من استيلاد حياة سياسية حزبية تعيد لهم وطنهم المنهوب من مجموعات المافيا الافسادية والمرتهن للمؤسساتالاقتصادية الدولية؟.ونصل الى تفاهمات مقبولة ومطلوبة تؤدي الى الى اتفاق عام على إصلاحات جوهرية كما يطالب شباب 24 أذار وغيرهم من المحتجين .