ربيع الذئب .. خريف الخروف

في رواية خريف الباتريارك لماركيز، يتساءل الراوي وهو يتجول بين أعمدة الرُّخام ويشم روائح عطرية ويرشح البياض من قفازات الخدم.. اين تعشش الغربان اذن؟ وفي النهاية يرحل الباتريارك وتتحول الأروقة الى اطلال، وتفوح رائحة الجيف من الحيوانات المدللة التي كانت تعيش في ربيع الحدائق، وكلما سمعت أو قرأت كلمة الربيع وهي تقترن بهذا الخراب تقفزالى سطح ذاكرتي على الفور تلك الحكاية أو الحوارية بين الذئب والخروف والتي دَفع صاحبها الثمن بأنه شوي على سفود فوق نار ذات لهب فالذئب عندما رأى خروفا في الربيع قال له انه أخرج لسانه له في الربيع الماضي، عندئذ قال الخروف أن عمره أقل من عام، فقال الذئب اذن هو أخوك الاكبر لأنه يشبهك ثم قرر الخروف أن ينهي الحوار وقال للذئب أن تريد أن تأكلني لكن أرجوك أن لا تحملني ذنوبا لم اقترفها! وتأويل الحكايات من هذا الطراز متروك للخيال البشري لكن ما يعنينا في هذا السّياق هو أن ربيع الذئب ليس ربيع الخروف بل هو خريفه، لأنه وهو يبرطع لا يعي بأن هناك من ينتظره كي يسمن وبالتالي يأكله ويمتص نخاعه، ربيع السياسة سواء كان في أوروبا القرن التاسع عشر أو في براغ عام 1956 أو في العالم العربي عام 2011 فيه ذئاب وخراف، وآكل ومأكول وغالبا ما تدفع الخراف الثمن لأنها لا تملك القدرة للدفاع عن نفسها ومنذ دجّنها الانسان كالدجاج اصبحت بلا حول ولا قوة! وهناك مقولة للشاعر الفرنسي بول فاليري تختصر الحكاية كلها، قال إن الأسد أو النّمر هو في حقيقته قطيع خراف مَهْضومة ، وما أسماء الاسود والنمور والفهود الا مجرد اسماء مستعارة لقطيع الخراف بعد أن تأكله تلك الحيوانات وتهضمه وتتمثله فيصبح عافيتها وقوتها! ومن قالوا ان مصائب قوم عند قوم فوائد، ادركوا قبلنا وبالخبرة الطويلة أن هناك آكلاً ومأكولاً وقاتلاً ومقتولاً منذ هابيل وقابيل حتى ربيع الذئاب وخريف الخراف ! لقد فقدت الكلمات معانيها واختلطت دلالاتها من فرط الكذب والمراوغة لهذا نعود الى كليلة ودمنة لعل الحيوانات أصدق من البَشَر! -