تحرّشات رسميّة وغير رسميّة في حياتنا كأردنيّن...

تحرّشات رسميّة وغير رسميّة في حياتنا كأردنيّن...

ليس هناك بالنسبة لنا كأردنيين أصدق أنباء من السّيف مثل شوارعنا، والتي لطالما أشارت ولا زالت تُشير لنا بأنّ هناك تحرّشات (رسميّة) خَطِرة وفتّاكة نحسّها جميعاً ولا نلمسها (غير ماديّه) وهي على عكس الشّهير المشهور التّحرّش الجنسي (غير الرّسمي) الذي تحسّه (هي) كلّما أقبلت أو أقفت...، ويلمسه (هو) ويشمّه كلّما نسنس من الغربي هبوب.

لقد تمّ حصر أنواع عمليّات التّحرّش الكثيرة بقصدٍ أو بغير قصد في عمليّة التّحرّش الجنسي المشينة، وكأنّ أو ليس هناك ما يؤرق مجتمعنا ويقيضّه أخطر وأكثر من هذه الظّاهرة، والتي إن إختفت فسيختفي معها كل ما ينغص على الأردني أفراحه ومناسباته وأعياده، وللأسف...؛ أغفلنا أو تم إستغفالنا عمّا هو أخفى وأعظم، وأميل لإستغفالنا، وإلّا لماذا يتمّ الاهتمام اعلاميّاً فقط بتحرّشٍ واحدٍ جنسيٍّ وغير رسمي وتأثيره لا يُعمّم، ويُغض الطّرف عن تحرّشات كثيرة وخطيرة منها: عقليّه، إدراكيه، نفسيّه، حسيّه، مُجتمعيّه، صحيّه، ومنطقيّة، وجميعها تحدث تحت مظلّة رسميّه، وتأثيرها نافذٌ ويُعمّم.

وبعيداً عن مظاهر وأعراض الاحتفالات الوطنيّة في الولاء و الانتماء الاعلاميين؛ ولنكن وطنيين في الطّبع لا بالتّطبُّع والصّنع، يجدر بنا أن نغني وندندن وننشد ونتحدّث ولو قليلاً عمّا لا يليق بنا من تحرّشٍ حدث ويحدث الآن عبر التّاريخ الرّسمي للتحرّش في حياتنا كأردنيين و في مسيرة أردننا كوطن.

لقد تركنا عقول أبنائنا وبناتنا مشوّهة، وغير قادرة على التّفكير السّليم أو تحديد ما يريدونه من الحياه بسبب نهبها من قبل نظام تعليمي عقيم، ويعتمد المعلومة الصّماء ليضعها في عقله بعد تخزينها وحفظها في الذاكرة القصيرة المدى من دماغه، ليفرغها في أول ورقة امتحان، وليخرج في نهايتها نظيفاً مغسولاً من كلّ معلومة، فليس هناك رابط منطقيّ بين ما يُدرَّس لهم في المدرسة أو الجامعة، وبين ما يعيشونه في حياتهم الفعليّه، فيغيب بذلك إدراكهم للمعرفة التي هي الغرض الرئيس للتّعلّم والتّعليم، فيأتي هذا الغرض لديهم مقلوباً، فالنّجاح في الامتحان (العلامة) أوّلاً ثمّ المعرفة كتابع عادي بداهي ومنطقي له وليس العكس...، أليس هذا الخلط هو التحرّش العقليّ والإدراكيّ بعينه؟!

أعفينا حواسهم وتركناها لمطربين وممثلين ومنتجين وصانعين أفلامٍ سخيفة ومسلسلات خياليّة وضيعه وأغاني تافهة مُستهلكَه، دون رحمة أو شفقة، ودون أدنى ثقافة أو دراية أوفهم من أصحابها أو القائمين عليها، أو المنتجين لها...، ثمّ الآن نشكي ما آلت إليه حالهم وأحوالهم من تدنٍّ وانحدارٍ في ذائقتهم الفنيّة، وتدهورٍ في مستوياتهم الثّقافيّة والفكريّة...، أليس هذا تحرشّاً بحواسهم السّته؟!

أشربناهم المياه الملوّثة، وأطعمناهم المأكولات (المهرمنة) المسرطنة، ولم يتم لغاية الآن محاسبة أو مساءلة المسئولين عن ذلك، وبالتّأكيد هم مما يتعفّفون ويتجنّبون ممارسة الشّرب والأكل المحلي كباقي الأردنيين، فباب الاستيراد والشّحن مفتوح وميسّر بما حصّلوه من لعبهم وتجارتهم واستهتارهم بما هو رئيسي وضروري لنمو وتشكيل خلايا أبنائنا وبناتنا البدنيّة والعقليّة...، أليس هذا التّلاعب هو تحرّشاً بالصّحة العامه؟!

في الثلاث سنوات الأولى من أعمار بناتنا وأبنائنا؛ فصلنا بينهم في كل شيئ، اللعب، الجلوس، الحديث...، بداعي العيب ولنزرع بداخل كلّ واحد منهم خوفاً أبديّاً أدّى بنا إلى ما نراه من نظرة جنسيّة في أدنى تعامل بينهما، ونمّطنا في الأولاد منهم، بأنّ التّعرّف أو تكوين الصّداقة مع الجنس الآخر هو بداية النّهاية في الضّياع والانحراف، وزرعنا في البنات ذأبنة وشروريّة الأولاد، ووجوب الابتعاد عنهم تجنّباً للافتراس...، ففهموا وفهمنا من قبلهم؛ أنّ الأولاد ذئاباً مفترسة شرّيرة، والبنات فريسة ضعيفة مستكينه...، أليس هذا تحرّشاً بصحتهم النّفسيّة والعاطفيّه؟!

طلبنا منهم المشاركة في الحياة السّياسيّة والحزبيّة و الديموقراطيّة، ، وكانوا خير سامعٍ وأمهر مُنفّذ ولكن...! وعندما شاركوا معتمدين على ما قلناه لهم من أساطير حول المظاهرات والوقفات الاحتجاجيّة والاصلاحيّة؛ لم يصحوا إلّا على شهيق وزفير (البلطجيّة)، وهدير حجارتهم وعصيّهم التي خُيّل لهم من قوّتها وسرعتها بأنّها تمشي وتطير وتتزحلق فوق رؤوسهم، وتمّ إتّهامهم بالمخرّبين و المفتنين المندسّين...، وبعد أن أغريناهم بالشّفافيّة؛ أخبرناهم وأكّدنا لهم على أنّ التّزوير والغش محرمان حرمة مطلقة وجرمان كبيران لا يغفرهما الله، ومن بعده الوطن، إلّا أنّهم لغاية اللحظة لم يُبشَّروا حتّى ولو مرّة، وقبل لقاء ربّهم الأعلى؛ بانتخابات نزيهة وغير مغشوشة أو مزوّره في أيّ مجال أو قطاع إنتخابي (نيابي، بلدي، نادوي، جامعي...)، فتبّاً لتركيبة هذا الجيل الذي نشأ وترعرع على أسوار وساحات عالم عابث بالفطرة و الثوابت، ومتناقض بين ما يُقال وما لا يُقال، وتتناحر فيه الرّوح مع القانون وتختلف...! أليس هذا تحرّشاً بالمنطق؟!

تابَعوا ويتابعون في بثّ حيّ ومباشر تجارب الحكومات المتعاقبة عليهم وعلى أرزاقهم ووظائفهم وأعمالهم، وألزمتهم الخوف على مستقبلهم، والهمّ والكدّ والكفاح في كسب لقمة عيشهم، أو من أجل الحصول على أدنى مراتب الآدميّة...، وفوق ذلك كلّه يشاهدون كيف أنّ ثلّة من المُعدمين الفاسدين وأبنائهم وبناتهم قد أصبحوا رجال أعمالٍ وأصحاب مناصبٍ حسّاسة وثرواتٍ طائلةٍ ولا يُعرف لغاية كتابة هذا المقال مصادرها أو أصلها، وزد على ذلك؛ أختفاء (طبشة) الميزان – الطّبقة الوسطى – واختفائها أمام نواظرهم وانهيارها فوق جباههم، وليجدوا أنفسهم أمام طبقتين لا ثالث لهما: فوق فوق، وتحت تحت...، أليس هذا تحرّشاً بالتركيبة واللُحمة المجتمعيّة؟!

وأخيراً...؛ وبما أنّ جميع التّحرشات السّابقة هي رسميّة، وتجري تحت نظر الحكومات والمؤسسات والمجالس التّشريعيه و الرّقابيّة و التّنفيذيّه؛ فعليكم يا مسئولين الرّعيّة أن لا تتفاجأوا أو تدّعوا الدّهشة وأنّكم قد أُخذتم على حين غرّه عندما يبدأ الشّباب في تفريغ الغضب و الكبت المتجلّدان بدواخلهم منكم ومن كل ما هو حولهم، وأن لا تستنوحوا وتتساءلوا عن أسباب تلك الظّواهر غير السّويّة التي تصدر عنهم وليست منهم، أو أنّ تستنكروا وتستغربوا ما آلت إليه الأحوال من عنف ودهمائيّة وتخلّف وسوقيّة وهمجيّة وبلطجة في حياتنا وفي شوارع أردنّنا الذي لا يَعرف أكثركم سوى بالاعلام والتّحليل النّظري، و (مايكروفونات) المنابر و الجهالة!

لقد جاء دوركم لتصمتوا، وحان دور الشّباب لا لتسألوهم كما عوّدتموهم وسمحوا من خوفٍ وضعفٍ لكم، بل ليسألوكم: من علّمكم فن التّحرّش ونصحكم باستخدامه كوصفة فعّالة ناجعة في طمس وإهانة من خلقه الله مُكرّماً، واستعباد من وُلِدَ من بطن أُمّه حراً؟! ومن منكم المسئول عن نشر هذه الظواهر الفجّة والدّخيلة على مجتمعنا الأردني العفيف الطّاهر النّظيف المتسق بأطيافه وعاداته وتقاليده؟! ماذا جنيتم وستجنون بعد تحرّشاتكم هذه سوى غضب الله في الدّنيا والآخره؟ لا نشكّ بأنّكم جميعاً تحفظون حديثه صلّى الله عليه وسلّم: (كلكم راعٍ وكلّكم مسئول عن رعيته)، ولكن من منكم من يخافه ويخشى الوقوف بين يدي الآمر النّاهي يوم الحساب؟ وكم منكم من يعلم ويوقّر ما قاله الله عز وجل في تنزيله الكريم في سورة الزّمر الآيات ثلاثون وإحدى وثلاثون: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون)؟