كيف يقرأ الحمارنة: «طموحات المستقبل في الأردن»

أ.د. مصطفى الحمارنة مؤرخ نابه حاصل على الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط الحديث من جامعة جورجتاون الشهيرة بالولايات المتحدة الأمريكية. عمل بالتدريس في قسم التاريخ في الجامعة الأردنية، وحالياً هو نائب في مجلس النواب الأردني.
في كتابه «الأردن» من اصدارات مركز ابن خلدون بالاشتراك مع دار الأمين للنشر والتوزيع بالقاهرة، إطلالة نقدية على الحياة السياسية في الدولة الأردنية منذ تأسيسها. يشير المؤلف الى الظروف الصعبة التي مرت بها التجربة الأردنية وهي تتحول نحو «الديمقراطية».
يقدر مصطفى الحمارنة هذه الصعوبات، فميلاد «الديمقراطية» ليس سهلاً في ظل ظروف معقدة مر بها الأردن. يحدثنا عن «مرحلة جديدة» «لا تشكل انقطاعاً عما سبقها من مراحل، ولكنها تشكل بداية مرحلة انتقالية» الكتاب: ص 155.
يقرأ د. الحمارنة الواقع الأردني قراءة مستبصرة وهو المؤرخ والباحث العميق النظرة. «فالدولة الأردنية، منذ الثمانينات وحتى الآن، بدأت تعتمد تدريجياً، وكنتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعيشها على مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تساعدها على التخلي عن المساعدات الأجنبية، وترتب على ذلك زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة». ص 155
لا يخفي المؤلف السلبيات التي مرت بها التجربة الأردنية وصولاً الى «الديمقراطية» ثمة اشواك جابهتها عبر مسيرتها الطويلة كان لا بد من اقتلاعها للوصول الى الهدف المرتجى. يتحدث د. الحمارنة عن «عجلة الانتفاح» في الأردن، ولكنه يحذر من تجاهل العوامل التي تُسرِّع استكمال هذا الانتفاح، لأن تجاهلها – في رأيه- «قد يعيد انتاج انماط السلوك غير الديمقراطي». لكنه يستبعد مثل هذا التجاهل او «فقدان» عوامل الانفتاح، فالمسيرة الديمقراطية في هذا البلد تتعزز يوماً بعد يوم في ظل قيادة هاشمية حكيمة ذات رؤية واعية ترى المخاطر قبل ان تقع، رؤية منفتحة على النقد البنّاء، لا تضيق به بل ترحب ما دام هدفه البناء.
في كتابه يشير هذا الباحث الى العوامل الأهم التي قد تلعب دوراً سلبياً لا يخدم التجربة السياسية التي ترسخ لـِ»الديمقراطية».
ينتقد ضعف الأحزاب السياسية معتبراً اياه «العامل السلبي الأهم» ذلك لأن هشاشة الأحزاب يفقدها مصداقيتها وقدرتها على العمل السياسي البنّاء الذي يخدم الوطن. يأخذ د. الحمارنة على هذه الأحزاب السياسية الأردنية عجزها عن «تأطير الجماهير». وفي تقديري فإن هذا العجز مردّه ان القيادات السياسية لهذه الأحزاب لم تحسن بعد وضع برامج معتبرة وحكيمة لأحزابها. طموحها –مع احترامي لها- غالباً ما تكون غير طموحات الوطن!
ومن العوامل التي قد تلعب سلبياً فتسيء الى «الانفتاح»، «أن وسائل الاعلام لم تلعب للآن الدور الذي عادة ما تلعبه هذه الوسائل في عهد الانفراج السياسي»، هي –وأعني وسائل الاعلام- لم تستغل الهامش المتاح لها حتى الآن. أما الصحافة الحزبية فهي محدودة الانتشار، «وليس من قبيل الصدفة –والكلام للدكتور الحمارنة- ان الصحف الأكثر قراءة هي الصحف الاسبوعية التي تعتمد على الاثارة ونشر الشائعات» ص 156.
وفي نقد موضوعي لبعض الحكومات السابقة يقول «ان طبيعة الافراد انفسهم الذين تشكلت منهم «كانت من العوامل الاساسية في عدم تعميق السياق الديمقراطية بالمستوى المطلوب بعد»» ص 157.
في كتابه أيضاً دعوة حارّة الى ترسيخ «المواطنة» في هذا البلد. وهي الدعوة التي يتبناها الهاشميون بدءاً من الملك المؤسس جلالة الملك عبدالله ابن الحسين – طيب الله ثراه- وفي عهد جلالة الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه- وصولاً الى عهد جلالة الملك عبد الله الثاني الذي طالما ركّز في خطاباته الى شعبه على ضرورة حماية هذه «المواطنة» ونبذ «العصبيات» التي لا تخدم المسيرة الديمقراطية.
وهنا لا بد من الاعتراف أن الأردن بحنكة قيادته الهاشمية وانفتاحها على المفهوم الديمقراطي رغم الضغوط الاقليمية والدولية التي يتعرض لها هذا الوطن استطاعت ان تشرع في تحول ديمقراطي سليم قد لا نجد مثله في البلدان العربية الأخرى.
يُحمد لهذه القيادة انها أتاحت المجال لــِ»المجتمع المدني» ان يمارس نشاطه الانساني محافظاً على علاقته بـِ«الديمقراطية» التي تسمح له ان يعبر عن رأيه دون ضغوطات حكومية.
وبعد، فإن د. مصفى الحمارنة وبقراءة غير عَجلى للحياة السياسية في الأردن منذ تشكل الدولة الأردنية كان موضوعياً في قراءته. لم يُجامل على حساب الحقائق. انتقد الثغرات التي لا بد من ذكرها، فما من تجربة ديمقراطية سليمة في العالم إلا وتتعرض لسلبيات، لكنها سرعان ما تحاول تلافيها. وهذا ما كان مع التجربة الديمقراطية الأردنية.
يُنهي هذا الباحث حديثه عن «التطور السياسي» الذي حصل في الأردن، وهو بالطبع تطور ايجابي يقول: «انه وعلى الرغم من التطور السياسي الذي حصل في الأردن، الا ان المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية ستطول اكثر مما كان متوقعاً عندما بدأت في تشرين الثاني عام 1989» ص 157.
بدوري أقول: يبقى التفاؤل حاضراً بالرغم من الظروف الاقليمية المحيطة بهذا البلد، هناك إصرار من القيادة فيه على تجاوز كل العقبات.