إضاءة على المجموعة الشعرية .. "أهدتني البحر وخبأت الشاطئ"


اخبار البلد


بقلم : صابرين فرعون


الشعر في هندسته ورسمه ، يحمل نواةً تميزه عن غيره من الأنواع الأدبية الأخرى ، وهي الإنفعالات والعواطف التي تعتبر عصب الصور الشعرية ، فنراها حيةً بألوانها وتراص الحواس فيها ، تطعم العين وتداعب الأذن وتمارس سلطتها على الآخر "القارئ".

عندما تقرأ للأستاذ سعدالدين شاهين فأنت تستمد طاقة متجددة وأنت تغوص في العوالم البنائية لمجموعته الشعرية "أهدتني البحر وخبأت الشاطئ" الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع..

تلفت هذه المجموعة الشعرية شكلاً ومضموناً ، حيث يؤسس الشاعر لوحدة موسيقية داخل الصور الشعرية المُكثَفة..
 
عن الشكل ، إن أغلب قصائد المجموعة حملت أسلوبيّ "المزاوجة والانعكاس" ، فلو تمعنا شكلها لوجدنا السطور الشعرية غير متساوية من ناحية التقسيم الصوتي والنحوي وحتى اللفظي ، وأن الشكل الخارجي يحمل هندسة صورية "للكأس المرآة" ..
يذكرني هذا الشكل بقصائد جورج هيربرت ، خاصة "The Collar" والتي تجيء بشكلٍ مكثف من الصور الشعرية تحمل دلالات سرية ، وقد أُطلق على هذا النوع الذي يحتوي الفنيات الشكلية "Arabsic Art" .

 في مقارنة بسيطة ، تميز شعر جورج هيربرت بالرمزية العالية التي تصل درجة الغموض ، وأُخذ عليه أنه يكتب للصفوة برغم احتواء شعره رسائل ميتافيزيقية ، فكانت الكأس وصورتها انعكاساً لروحه المتمردة الغاضبة لحظة الكتابة .. بعكسه شاعرنا أ.سعد الدين ، الذي حافظ على نسيجه متماسكاً ، فالايحاءات الرمزية عنده تعبر عن الذات برومانسية ظاهرة،  والكأس وصورتها مرآة لما يعتمل في نفس الشاعر من شغف وحب للحياة وتأثر بالطبيعة التي يشتق منها صوره الشعرية.

بالنسبة للمضمون ، إن بنيان النص يعتمد الغوص في أعماق النفس البشرية  ، بمقاطع بسيطةٍ من السرد ، فيغلب الوصف المباشر بأدوات شعرية معاصرة ، تعتمد الترابط بين الأسلوب الطلبي والإنشائي ، كما في قصيدة "أوار الصمت" :

هل يسرقُ التابوتُ
قبل مجيءِ حامِلِه
على كفِّ الرَّدى
قمرا..
تودعُهُ اللَّواتي..؟
إن تقتُليني فابطئي
حتى أعمَّدَ من جديدٍ
في حياةٍ..
كالفراتِ..

من الملاحظ أيضاً ، أن أ.شاهين يكتب في صراع الوجود يذيله زمنياً في نهاية القصائد بأعوام كتابتها ، للتأمل بالجماليات اللسانية ودلالاتها الحسية ...