الهجرة، والفكرة، والعبرة…

باسم سكجها
لو لم يُهاجر مُحمد وصحبه إلى يثرب، لكان للتاريخ أن يشهد مساراً مختلفاً، ولكنّ الوحي الذي أتى من جَلّ جَلاله أراد للبشرية أن تعتبر من أنّ المكان يُترك، وأنّ الناس يرتحلون، ولكنّ الفكرة هي الباقية في الأرض وفي نفوس الخلق، ولهذا فقد ترك الرسول صلوات الله عليه وسلامه مكّة، من أجل أن يعود إليها.
ولو لم يبدأ الخليفة عمر التقويم بِدءاً من ذلك اليوم، لكان الناس يعتمدون على يوم مولد محمد، وهو معروف ولكن دلالته شخصانية، أو ميلاد المسيح، وهو مختلف عليه، أو التقويم العبري الذي يُقال إنه يبدأ بيوم خلق الناس، وأثبتت الدراسات أنّه غير حقيقي، بالمرّة.
الهجرة هي الأصل، وتنقّل عباد الله في أرضه الواسعة هي الشكل، أمّا المضمون فهو فكرة الثورة على الظلم، التي ما إن تستقر في مكان حتى صار عليها أن تنتقل إلى غيره، وما إن تضطر إلى ترك جغرافيا حتّى تكون ملزمة إلى العودة إليها، من أجل الفكرة.
عُمر بن الخطاب، ذلك الذي اعتمد التقويم، هو الذي هجر مكّة على مرأى من الناس ومسمعهم، مُتحدياً، وقبلها بقليل كان يبحث عن المهاجر محمد، وفي داخله نيّة قتله، ولكنّه عرف بعدها معنى الهجرة، فذهب إلى الرسول طالباً الصفح، والنجاة، والفكرة.
الهجرة، والفكرة، هما العبرة، والاعتبار من كلّ ما مرّ على الصحيح من مسيرة الإسلام، فليس هناك من نبي لم يهاجر من أرضه، دون أن يهجر فكرته، وكذلك الثوار في كلّ مكان، فهم يتركون الأرض ويمضون بفكرتهم، وينشرونها، ويعودون، ولو بغير أجسادهم، فكلّ عام وأنتم بخير، ومع كلّ قمر جديد وفلسطين بخير أيضاً، فهي الأرض والهجرة والفكرة في الزمن الجديد…