مؤسسات.. ومثقفون

تعالوا نتصور لجنة ادبية تضم قامات مثل عبدالحليم عباس وخليل السكاكيني واحسان عباس وناصر الدين الاسد ومحمود السمرة واديب عباسي, ومحمد صبحي ابو غنيمة, ثم تعالوا نتصور ان هؤلاء الاعلام قد وضعوا قواعد وشروطاً للانتساب الى هيئة ثقافية اردنية ذات مستوى يليق بأمة كأمتنا ذات تاريخ ادبي متطاول, وذات رسالة انسانية خالدة, ثم تعالوا نتصور كم سيبلغ عدد المقبولين في مثل هذه الهيئة. ثم حاولوا تفسير النتيجة التي ستخرجون بها, ثم لا تتخافتوا بما تنتهون اليه, وامتلكوا جراءة ان تعلنوه في الملأ فلعل ذلك ان يكون بداية التماس سبيل الى الخروج من الهلهلة التي يتسم بها واقعنا الثقافي, ومن الفساد متعدد الوجوه والتجليات التي تبلوه حياتنا الادبية. ولعله ان يكون بداية انتباه (اخلاقي ومعرفي) الى انه قد آن اوان الاصلاح الجذري لمؤسساتنا الثقافية, سواء أكانت رسمية أم شعبية أم خاصة, أم فروعاً محلية لمؤسسات اقليمية أو عالمية. وأول الاصلاح: وضوح الغايات وارتباطها بالوطن والامة, واهلية الاعضاء, وخلوص التوجه المعرفي والادبي بعيداً عن الايديولوجية وطيئة الافق, وعن الطائفية, وعن ألوان التدافع والشللية والاصطناع.. أو بعيداً (في الجملة) عن امراض النشأة الاولى لكثير من هذه المؤسسات.

إن طموحنا الى مؤسسة خالصة للثقافة الجادة تستطيع تمثيل روح شعبنا ووعيه هو الذي يدفعنا الى تصور وجود هيئة قادرة على تنخّل المواهب والقدرات, وعلى اختيار المؤهلين والمتميزين من اصحابها.
ترى: ألا يوجد هيئات مشابهة في المؤسسات العلمية الطبية والهندسية تنظر في طلبات المتقدمين للعمل في هذه المؤسسات؟
إننا لا نتصور وجود طبيب أو مهندس ممارس لمهنته دون أن يكون مرّ بلجنة فاحصة تقرر اهليته.
فإذا كنا نعتقد أن البنية العقلية والشعورية والعافية الروحية للانسان هي الاولى بالرعاية والاهتمام فإن من مقتضى ذلك ان يكون لمؤسسات الثقافة شروط موضوعية لقبول الاعضاء فيها, وذلك ما لا يستطيع أحد أن يقطع به أو أن يزعمه أو أن يزعم لون اقتراب منه..
إن مما نعلمه علم اليقين أن قبول بعضهم اعضاء في هذه المؤسسة أو تلك كان يتم في جلسات خاصة أو اجتماعات حزبية أو سهرات شللية على نواصي المقاهي, وأن كل كلام, بعد ذلك, عن الأدب والفكر والثقافة إنما هو حديث مفترى.. وكم يملأ فضاءنا من مفتريات الاحاديث!
إن ما نقوله هنا يقع خارج دوائر المجاملات والمداهنات, ونحن نجهر به ولا نتخافت, معذرة الى ضميرنا الوطني, وشهادة لا نكتمها بين يديه, وإيماناً بأنه لا يصح, آخر المطاف الا الصحيح, وإن تقلّب الناس في الغفلة ازماناً.