لا يُهان المرءُ في أرضه..

عماد عبد الرحمن

 

الانفجار الشعبي الفلسطيني الذي ولده ضغط الاحتلال وإجراءاته اليومية المهينة على الحواجز وفي تفاصيل الحياة اليومية لقرابة 350 الف فلسطيني، يعيشون في القدس الشرقية، كان متوقعاً في أي لحظة، فالحياة في القدس اصبحت لا تطاق بسبب اجراءات الاحتلال التعسفية، والانتهاكات اليومية للمسجد الاقصى، والسعي لاقتناص الفرصة لتنفيذ مخططات بناء الهيكل المزعوم.
اذا هي ثورة شعبية فرضتها عوامل عدة، فلا المجتمع الدولي يأبه لما يحدث في فلسطين، ولا العرب قادرون على مواجهة تحديات قضيتهم المركزية، حتى ولو في أدنى حدودها بسبب الحروب والثورات الداخلية، فوجد الفلسطيني نفسه وحيدا حتى في المنابر الدولية، فأراد ان يعيد الزخم والانظار لقضيته العادلة وحقه في العيش الكريم على ارضه بحرية وكرامة.
لا نريد الخوض في «لعبة المفاوضات» التي قادتها اسرائيل منذ عام 1990 وحققت فيها مرادها وخلقت واقعا جديدا في القدس وما حولها، وبموافقة وتواطؤ من المجتمع الدولي، فنجحت بتحويل الضفة الغربية الى ارض متنازع عليها، وفي اوسلو نجحت بتأجيل اهم بندين في المفاوضات (القدس واللاجئين)، فخلال حديث اسرائيل المزيف عن السلام خاضت أكثر من خمسة حروب ضد الفلسطينيين والعرب، واقتحم زعماؤها السياسيون والمتدينون الحرم القدسي الشريف، لاستفزاز مشاعر الفلسطينيين والعرب، ونجحوا في تحويل الانظار عن احتلالهم البغيض لارض وشعب.
قد تستفيد اسرائيل اعلاميا مما يجري، وقد سارعت لفرض المزيد من الحواجز والشروط والتضييق على الفلسطيني، وهي استراتيجية منظمة وليست عبثية، فحاصرت الاحياء العربية، وصادرت هويات المقدسيين وهدمت البيوت، وهي سياسة طالما اتبعتها اسرائيل عندما تجد نفسها في الزاوية، لكنها لا تعلم أنها بذلك تولد مزيدا من البُغض والكراهية ليس في المحيط العربي فحسب بل على مستوى العالم اجمع.
القمع الاسرائيلي لا يطال المقدسيين المسلمين فحسب، بل طال ايضا المسيحيين فيها، فاليوم لا يقطن سوى اربعة الاف مسيحي في القدس الشرقية، بعد ان كانوا مئات الالاف، هاجروا بفعل الظلم والبطش والتضييق، فالمقدسي يدخل الاسمنت لبيته بالكيلو ليتمكن من ترميم الشقوق والحفائر، ويثقل كاهله بالضرائب ونشر المخدرات والبطالة، واسرائيل لا تخفي نواياها بهدم «الاقصى» بواسطة التفريغ واضعاف الاساسات.
«ثورة الطعن والدهس» هي رد فعل على انتهاكات وقمع وغطرسة وسرقة للحقوق والاملاك من اسرائيل، فعندما رفع الفلسطيني السلاح اتهم بالارهاب، لكن عندما يُقتل الفلسطيني بالسلاح أمام مرأى العالم، يُعتبر ذلك دفاع عن النفس، اي صُلف هذا وأي بشاعة هذه، ألا يستطيع المجتمع الدولي الوقوف امام مسؤولياته لوضع حد لشريعة الغاب والقوة، ولهذه المأساة التي قد يمتد لهيبها ليطال القريب والبعيد، أنه قادر، لكنه لا يريد!.
في عام 1982 اعتبرت الأمم المتحدة في قرار صادر عن الجمعية العمومية الكيان الاسرائيلي دولة غير محبة للسلم، لعدم انسحابها من اراض عربية محتلة، ومثل هذه القرارات كافية جدا لدول كبرى لخوض حروب على سياسات دول اعتبرتها غير محبة للسلم، كما نراه الان في سوريا وليبيا وغيرهما، فلماذا لا تقاطع، أقله، الدول دائمة العضوية في مجلس الامن اسرائيل عسكريا وسياسيا؟ سؤال طرحه الباحث الاردني الدكتور فاروق الشناق، خلال ندوة حول تطورات الاوضاع في القدس اقيمت في مركز الرأي للدراسات أخيرا، فهل من اجابة؟.