إلى الفلسطينيات وزهيرة زقطان

زهيرة زقطان غنيّة عن التعريف، وإذا كان لي أن أختصرها بكلمات فهي ابنة عائلة فلسطينية مُثقفة، أكبرها راحلٌ كان من أهمّ الشعراء اسمه خليل، ومرّ من تحت يديه آلاف الطلاب باعتباره كان مدير مدرسة في "الوكالة”، أمّا أبناؤه وبنته وأحفاده فيتوزعون بين الشعر والنثر والموسيقى والنحت والغناء، فتوحّدهم رسالة الإبداع، وفلسطين.
ولا أعرف زهيرة شخصياً، وكلماتها وصور لوحاتها سبقت اتصالي بها، ولكنّنا نتواصل عبر اختراع العصر الجديد "الفيس بوك”، وأمس بعثت لها كلمات تبحث عن الإطمئنان على الأهل، فردّت: نحن، الآن، نحصي، في كل مساء أعداد القتلى، وبالنسبة لي فحصتي في رام الله مرتبطة بعدد سيارات الاسعاف التي تمر من تحت بيتي القريب من مشفى رام الله الرئيس.
أطال الله في عُمر زهيرة، ولكنني تذكرت مع كلماتها القاسية زميلتنا الراحلة ميسر نصر الله، فخلال انتفاضة الأقصى، قبل ١٣ عاماً، كنّا على تواصل هاتفي، وعبر البريد الالكتروني، ولا أنسى رسالتها في يوم: لا أستطيع أن أفعل شيئاً، الآن، سوى أن أعدّ سيارات الأسعاف، وأحصي رقم الشهداء والجرحى.
هل أكتب، الآن، عن المرأة الفلسطينية التي هي أصل الثورات، وستكون صاحبة زغاريد العودة؟ أم أكتب عن ابنة الناصرة التي شاهدت الرصاصات تخترق جسدها وما زال صدى صراخها يملأ الكون؟ أم عن تلك التي احتضنت زيتونتها المقصوفة فصارت أيقونة على شكل صورة؟ أم عن تلك التي صرخت أمام الناس: هذا ابني الشهيد، ولن أقبل عزاء؟ أم عن مشهد الأمّ التي حملت رشاشاً فتبعها أبناؤها الخمسة، وراح ثلاثة منهم شهداء؟
أكتب لك يا أختي زهيرة، ففي كل سيارة إسعاف دم سيعيش صاحبه ليعود إلى حيث الرصاص، وفيها أجساد غابت عنها الحياة، وما زالت في نبض شرايينهم دقّات توقيت العودة، ومع كلّ صوت تطلقه عربة مسرعة تبحث عن فتح الطريق، انبعاث أذان فجر يدلّنا على الأقصى، على فلسطين.