«محادين».. حتى السماء الأخيرة

هكذا رحل.. رجل بقامة «خالد محادين».. لن أقول رحل بلا مقدمات.. هي المقدمات، كانت حاضرة بقوة، بمعاناته الطويلة مع المرض، وبمواجهة تعب الحياة خلال سنواته الاخيرة..

هكذا حمل حقيبة السفر وحبه اللامحدود للوطن وغادر عالمنا باتجاه واحد، لا رجعة منه..
نعم.. (كان ما سوف يكون) ورحل ذلك (الجنوبيّ) وأبكانا.. أحزن من عرفه عن قرب وبُعد.. ومن اختلف معه ومع فكره عن قرب وبُعد أيضاً..
كان وطنياً أردنياً حتى السماء الأخيرة.. قومياً حتى أطراف أصابعه، و(هذا هو مجدك إذا كان المجد يعنيك).. كان يُسلم على سائح، فتصيبه عدوى العروبة.. يعانق طفلاً فيرى مستقبله في أحد أشعارك، وهذا هو مجدك (..)..
رحل «محادين» تاركأً وراءه إرثاً واسعاً، ستثرى به أجيال قادمة.. أجيال ستقرأ أشعاره وكتاباته بطريقة مختلفة، ربما سيتخذها البعض مصباحاً لإنارة الطرق..
هنا في «الرأي».. قبل 11 عاما التقيت به لأول مرة، وكنت قبلها قرأت الكثير من مقالاته وأشعاره وأنا على مقاعد الدراسة في الجامعة، كنت معجباً به حتى السماء البعيدة، وأحفظ العديد من مقولاته..
سألني ذات مساء: «كيف تجرؤ على كتابة مقال من اول يوم لك في هذهِ المؤسسة ولا ترتجف يدك»..؟!
ضحكت، قلت له: لا أعرف، ربما لأنني أحب كتاباتك..
كنا نلتقي بين الفينة والاخرى، كلما كتب مقالاً هز به العقول، لكنها المرة التي أثرت بي كثيراً.. أذكرها جيدأ.. في شباط من العام 2009 حين همس لي: «استمر.. أنت على الطريق»..
حينها أهداني ديوانه الشهير «وطنٌ واحد ونساءٌ كثيرات»، الذي بقيت قصائده تهزني إلى اليوم..
أذكر جيداً ذلك اليوم.. قبل رحلة علاجك في لندن بأسبوع.. كنا نجتمع هنا في الراي، وقلت لي ، والدموع بعينيك ، بان جلالة الملك عبدالله الثاني تكفل بكل مصاريف عملية زراعة الكبد.
قلت لي: «أخيراً، وجدنا من تتطابق خلاياه مع خلاياي، أتصدق هذا..؟ معقول ان أجد خلايا مشاغبة، متمردة على الحياة كـ خلاياي»..؟
ضحكت كثيراً من كلامه.. خفت عليه أكثر.. لا أريد له أن يموت في لندن.. كان على الدوام يريد الموت في أرض بني هاشم.. لكنه كان قوياً كجبال الشراه ، وعاد ليغادر من هنا..
وللكرك أن تقول الآن: آه !.. فهي التي سترتب عظامك، هي التي ستعيد تكوينك من جديد.. ونحن، سنموت كثيراً.. كثيراً نموت، إلى أن نصبحَ حقيقيين كما كنت.. ولكني أستأذنك الآن في الحزن على غيابك..
تبقى فكرة الحديث..
في آخر أيامه.. كان عليلاً حتى النهاية، ومريضاً أكثر بعروبته.. يمشي في البعيد العربي، وهو على يقين ان العمر قد ذهب..
أبا سنان..
أيها المسكون بكل زاوية في «الرأي»..كم نحن مشتاقون.
يا أيها (الكل).. قولوا للرجال المقيمين في الاعالي أن يترجلوا وينحنوا احتراما لشخص حقق التطابق النهائي بين الوطن والروح..
إنه قدر الله..