التاريخ لا ينمو دائرياً!

عندما تولى بلير رئاسة الوزراء في بريطانيا علق صحفي انجليزي قائلاً حين كانت الامبراطورية شابة قادها شيوخ وحين شاخت اصبح يقودها الشبان، وحين ترنح يلتسين في احد المطارات، كان المشهد تعبيرا عن حالة التّرنح التي تعيشها روسيا وهذا ما حدث في كوبا فهي عندما كان زعيمها شابا تحولت الى جملة سياسية معترضة في العالم وأوشك خليجها أن يتسبب في حرب كونية، لكن ما ان شاخ الزعيم الذي كان يخطب واقفا تحت شمس لاهبة بضع ساعات حتى تغيرت الأحوال، ولم السّكرمرّا كما وصفه فيدل في مقابلة اجراها معه الفيلسوف سارتر. وروسيا الآن تستعيد قدراً ملحوظا من عافيتها، والدّب استيقظ من سباته والزعيم شاب يروض النمور ويلعب الكاراتيه ويعبر الأروقة بخطوات قيصريه. قد يكون هذا الربط مجرد مصادفة، لأن التاريخ لا ينمو دائريا كما أنه لا يتكرر كما قال ماركس الا في صورة مأساة أو ملهاة.ومن يقولون مدفوعين بالحنين الى زمن القطبين أن الحرب الباردة عادت يفوتهم أنها انتهت، بغنائمها و خسائرها شأن كل الحروب رغم اختلاف الأسلحة، فالايديولوجيا التي كانت مرجعية للاسترتيجيات السوفيتية تراجعت و أخلت المكان لسياسة برغماتية تحتكم الى المصالح والأمن القومي فقط، ومن يقرأون المشهد الدولي الآن بثقافة الحرب الباردة وادبياتها وسائر مفرداتها يفوتهم الكثير، لأن العالم الآن يسعى الى أن يكون متعدد الأقطاب وليس فقط لاستعارة زمن القُطْبَيْن، لأن الثقافة السياسية تغيرت، وهناك مصطلحات حذفت من المعاجم السياسية كمصطلح السّيادة او الحدود الاقليمية براً وجوّاً وبحرا، ولا مجال الآن في حمّى هذا التسارع الذي تشهده الأحداث للنبوءات أو النوستالجيا، حيث لا مكان لمن يهربون الى الوراء أو يقفزون الى الأمام فيسقط الحاضر من تحت أقدامهم، وتبتلعهم الدّوامات! ما يُشعرنا بالأسى ويحرجنا كعرب أن الفاعل والمفعول به ليسا منّا، فنحن ضمير الغائب وفي احسن الاحوال نائب الفاعل، وذلك شجن قومي مزمن، منذ لاذ امرىء القيس بقيصر واهداه ثوبا مسموماً ومات في الطريق ودفن في جبل عسيب ! التاريخ له نواميس لا تخضع للرغائب لأنه لا ينمو دائريا !!