العصير ودولة الرئيس ...
خلال حضورنا لمؤتمر الأردنيين في الخارج الذي عقد هذا الصيف في بلادنا قمنا بتسجيل إسمنا في المؤتمر ضمن مجموعة الإعلاميين المغتربين المهتمين بنقاش القضايا المتعلقة بإعلامنا الأردني وطرق تطويره مع معالي وزير الدولة لشؤون الإعلام والإتصال، وقد تقررت عدة لقاءات للمجموعة الإعلامية مع الجهات التنفيذية والتشريعية والعسكرية في البلاد لسماع ملاحظاتهم وتبادل الأفكار معهم، ونذكر هنا عندما سمح لنا بطرح تساؤلاتنا على دولة رئيس الوزراء حيث توجهنا إليه بالقول: العصير يا دولة الرئيس، العصير ثروة وطنية في بلادنا نتمنى أن نحافظ عليها، وعندها ملأت الوجوه علامات الاستغراب والاستهجان من هذا الذي جاء من بلاد الاغتراب ليتحدث لرئيس الوزراء عن العصير وأهميته !
فنظر إلينا بعدها دولة أبو زهير مستفهماً إن كنا نقصد بالعصير ذلك المشروب الذي نشربه، لتكون إجابتنا بالتأكيد على أن ذلك العصير الذي توزعه الأجهزة الأمنية على المتظاهرين في بلادنا يعكس أجمل الصور عنها دائماً وعن قدرتنا على تحمل بعضنا البعض حتى في أصعب الظروف وأقساها، فيظهر للعالم كيف نتحمل بعضنا البعض كأبناء وطن واحد، همنا واحد، ووجعنا واحد، وطموحنا واحد، فالشاب في المظاهرات هو إبن الوطن، تماماً كرجل الأمن إبن الوطن أيضاً، ولا يقبل أحد منا الإساءة لأي منهما وهما يحملان هم الحفاظ على الوطن والدفاع عنه بكل السبل والوسائل، واليوم مع خروج الحكومة بالقانون الإنتخابي المعدل الذي تضمن إلزامية الترشح من خلال قوائم إنتخابية، إضافة لمنح كل ناخب صوت لإحدى القوائم المرشحة ثم لعدد من المرشحين لا يتجاوز عدد مرشحي القائمة التي صوت لها بداية، وبالتالي مغادرة قانون الصوت الواحد الذي كان كثيرون يتحفظون عليه ويرفضونه لا نجد إلا أنها خطوة كبيرة للأمام في تعزيز الإصلاح السياسي، والتي يشكل مجلس النواب وإنتخاب أعضائه أحد أهم أركانها، ولعل كلمات جلالة أبا الحسين بالأمس كانت واضحة بالاستياء ممن يتحفظون على القانون ويقفون في طريق تمريره للأسف، مع العلم بأن الكثيرين ونحن منهم نتطلع بترقب كبير إلى إعلاء المصلحة الوطنية العليا من قبل أعضاء مجلس الأمة وإقرار القانون بأسرع وقت للمضي قدما نحو إنتخاب مجلس نواب يعكس صورة أقرب للحقيقة عن الشعب الأردني الذي يمثله، ولعل هذا يكون فاتحة خير لمزيد من الخطوات الإصلاحية مثل منح حق الإنتخاب للأردنيين في الخارج كحال الكثير من الدول المتقدمة في العالم مثلاً، وربما من غير المستغرب أن تخرج أصوات رافضة للقانون الجديد ومتحفظة عليه سواء كانت أصوات مهنية لديها نقاط تستحق الاهتمام، أو أصوات اعتادت المعارضة لأجل المعارضة والظهور فقط، ومثل هؤلاء لابد من وجودهم دائماً مع كل خطوة للأمام، لكن ما علينا جميعاً تذكره هو أنه لا يمكن لإنسان القفز إلى أعلى الشجرة مرة واحدة وإلا لوقع على رأسه، ولكن الصعود خطوة خطوة وبروية وتمهل هو ما يضمن أفضل النتائج باذن الله، وأبسط مثال لذلك أن يستعجل أحدنا على الطعام فيذهب ويرفع درجة الحرارة تحته لأعلى درجة للاسراع في طهيه ليحترق ويخسره بالكامل، ولو صبر عليه وقام بالعملية خطوة خطوة لأخذ ما يريد وربما أفضل، ونعود هنا لنتمنى أن نحافظ على إرثنا في هذا الوطن الصغير في مساحته الكبير بثروته الوطنية بكل بناته وأبنائه الذين يحملون هم الوطن ويعيشون لأجله، هذا الإرث المتمثل في الحرص على إحترامنا لبعض البعض مهما إختلفنا، كما نتفهم طمع البعض في المزيد دائماً من قيادة البلاد بل ونشاركهم إياه، الطمع في المزيد من الإحترام، المزيد من الصبر، المزيد من الإصلاح، بل والمزيد من خفض الأسعار، ذلك لأننا ببساطة كأردنيين تعودنا وتربينا من قيادة البلاد الهاشمية على الكرم الهاشمي الذي لا يبخل على شعبه بشئ يقدر عليه، ونتوقع مثل ذلك ممن يمثل هذه الأخلاق الهاشمية في الحكومة، ولذلك ننتظر أن لا يلقي رجال الأمن في بلادنا ذلك العصير من أيديهم أبداً، وأن يبقى حاضراً كرمز لتقبل أبناء الوطن بكافة أطيافهم مهما قادتهم الحماسة أحياناً للتجاوز وربما الإساءة بقصد أو بدون قصد، فكلنا أبناء وطن واحد نشترك في النهاية بالدم والهم الذي لا يفارقنا لرفعة وطننا وحفظ أمنه وأمان أهله، لتبقى بلادنا كما نحبها أن تكون الحديقة الغناء وأيقونة الإبداع التي تحفظ إرثها الجميل، وتستوعب جميع أبنائها وبناتها بكل أفكارهم وأطيافهم وأشكالهم ودياناتهم وإهتماماتهم وأصولهم وفصولهم دون تمييز أو إساءة أو إستفزاز لأحد، فكم من صفعة واحدة إستهزأ بها البعض دمرت بلدانا وأحرقتها، وكم من كلمة طيبة أو علبة عصير أو ماء لم يلقي بعضنا لها بالاً حفظت أوطاناً وأعمرتها باذن الله بعد أن عمرت القلوب بالمحبة والاحترام وتحمل الآخر وتقبله كما هو.