لماذا لا يتم نشر أسماء الفاسدين؟

 

 

هيئة مكافحة الفساد الآن محط نظر أبناء الشعب الغلبان بأكمله، فالمساكين يريدون أن يروا فعلا الشلة الفاسدة التي تكرشت من ملايين الشعب وقد وضعت تحت مجهر المحاسبة، حتى يراجع الشعب ذاكرته التي اختزنت أسماء كثيرة دخلت الوظيفة العامة بدنانير معدودة، ثم أصبحت تملك مئات الملايين خلال فترة قليلة ما استطاع أذكى التجار وأشدهم دهاء تجميع معشار ما جمعوا وكنزوا.

يروج الإعلام أن هناك قطع أراض قد تمت إعادتها لخزينة الدولة سرقها مسؤولون سابقون وسجلوها بأسمائهم وأسماء زوجاتهم وأقاربهم، وهذا يعني أن جريمة مركبة من مرتبة الجنايات قد وقعت، ولكل جريمة مجرم، ولا يعقل أن يتم تسجيل هذه الجريمة ضد مجهول، والقانون يفرض عقوبة، وللعقوبة مجموعة من الأغراض، منها الردع العام، أي تخويف من تسول له نفسه أن يرتكب جريمة مشابهة بعقوبة مشابهة، ومنها أيضا الجزاء على اعتبار أن الفعل الذي قام به هذا السارق هو انتهاك للأمن الاجتماعي والذي هو مصلحة عليا في المجتمع، والناس قد ملوا من خفافيش الظلام مصاصي الدماء المخفيين.

كثيرة هي القصص التي تقال حول استغلال الوظيفة العامة في التكسب من وراء الأراضي منذ زمن ليس بالقريب، والذين قاموا بهذه العمليات السوداء موجودون بيننا، قد ملئت أرصدتهم بالملايين، فإذا كشفنا عن أول مجموعة من الذين اعتاشوا على سرقة أراضي الدولة أو أراضي الناس البسطاء التي اشتروها منهم بثمن بخس ثم حولوها بواسطة السحر وبواسطة مصباح علاء الدين إلى أراضٍ ذات مواصفات خاصة فارتفعت أثمانها عشرات أو مئات المرات، فهذه أيضا سرقة يجب أن يتم المحاسبة عنها، فإن الكشف عن هؤلاء هو الطريق إلى تشجيع من لديه وثيقة دليل إدانة لأن يتقدم بها للهيئة في سبيل إعادة الحقوق المسروقة إلى الدولة أو إلى الأفراد.

نحن هنا لا نطالب بالفضائح، ولكنا نطالب بأن يكون الإفصاح عمن ثبتت الجريمة بحقه، والذين استردت الدولة الأراضي منهم قد ارتكبوا الجناية وهي ثابتة، وسيكون السكوت عنهم، وفي هذه المرحلة بالذات، نوع من التستر غير المقبول وغير المتسق مع الادعاءات بالبدء بالإصلاحات في البلاد، ثم إن علانية المحاكمات مبدأ دستوري ودولي، والبريء الذي هو في موقع المسؤولية لن تضره العلانية طالما أن نهايتها صك براءة يأخذه على أعين الجميع، لا صك براءة يتم تدبيره في الخفاء ليبقى في نفس الناس منه شك ويبقى على قائمة المطلوبين.

بالأمس في مصر ما بعد الثورة أو ما بعد الإطاحة بالفساد، أدخل رئيس وزراء السجن، وسبقه ثلة من الوزراء والمتنفذين الذي أكلوا لحوم الشعب وشربوا دماءه، والحبل على الجرار، والوضع في مصر ليس بغريب على من يتسلمون أمانة الوظيفة العامة وأمانة القرار الإداري والسياسي في مجمل النظام السياسي العربي، وها هي الأسماء والصور تنشر بالصورة والصوت، ويجب أن يكون في هذا السبيل عبرة لكل من امتدت يده للمال العام الثابت أو النقدي، وهم كثر عندنا.

سمعنا عن هيئة مكافحة الفساد، وبقي أن نشاهد، وما نريد مشاهدته هو الكشف عن الذين رسموا خارطة مصالحهم الشخصية بإتقان وأفقروا البلاد، وإن كنا لا نعرفهم، فالهيئة تملك من الأدوات القانونية ما تمكنها من إشهارهم، ونحن نملك قلوبا تريد أن تطمئن، ولن تطمئن إلا إذا شاهدت ميزان العدالة ينصب ولا يلتفت إلا إلى العدالة فقط.

ومسؤولية كبرى تقع على عاتق الهيئة تتمثل في إعادة جزء من الثقة بين الشعب وبين إحدى المؤسسات الحكومية الخاصة بملاحقة وكشف الفساد على أساس موضوعي، لا على أساس انتقام شخصي وتصفية حساب وتسليط الأضواء بعيدا عن الجناة الحقيقيين الذين يملكون توجيه الأمور ببراعة، لا لسبب إلا لأنهم من علية القوم، ومسؤولية أخرى نريدها من الهيئة وهي أن تسن سنة حسنة في الضرب بقوة على أيدي اللاعبين بالمال العام، حتى تكون هذه الهيئة هي مسطرة المواصفات في هذا المجال لأي هيئة قادمة، لأنها جاءت في عصر التحرر من القرارات الخفية وفي عصر النور والثورة والمكاشفة والحساب.