حين يغضب الملك
قرار الملك بمحاسبة المتسببين بهروب متهم في قضية رشوة وفساد، يجعلنا نقرأ مرة أخرى فكرة الحكومة المنتخبة، التي نطالب بها ليل نهار، ويدعونا ذلك إلى التساؤل المرير: هل نحن مهيؤون حقاً لحكومة أغلبية برلمانية منتخبة؟
هذا التساؤل لا يعني بحال التوقف عن المطالبة بحكومة منتخبة، ولا يعني أيضا أن نتوقف عن التنمية السياسية التي توصلنا إلى الحالة الديمقراطية الكاملة المنشودة، لكنه بلا شك يعني بوضوح، أن يدرك الناس أن المطالبة بالملكية الدستورية، التي يملك فيها الملك ولا يحكم، قد تؤدي إلى ظهور المزيد من الفاسدين وأصحاب النفوذ، وتكريس وجود الفئة الباغية التي ما تزال تعبث برزق الناس، ولكنها ستصبح بعد الحكومة المنتخبة ذات شرعية مستقلة، منظمة، محمية دستوريا، ولا شيء يقف في طريقها، هل نحن مهيؤون لذلك؟
حين يغضب الملك من الحكومة بسبب تصرف طائش أو غير مسؤول، أو يشتبه في خطوات سلبية تقوم بالدفع لها أو تتأخر وتتباطأ في خطوات وإجراءات مهمة في طريق الإصلاح، فإن المرجعية الملكية، وإرادة الملك الحرة في إقالة الحكومة، هي الضمان الوحيد الذي يملكه الشعب، لمحاصرة أي جنوح، والتدقيق في كنه أي مسألة يتفق الرأي العام على خطورتها، وتأثيرها ووضع الحلول الفورية لعلاجها، حتى لو تطلب ذلك إقالة الحكومة برمتها.
خيار الملكية الحرة، التي اقترحناها عدة مرات، وطالبنا باستفتاء حولها، والتي تنص على السعي نحو حكومة أغلبية برلمانية منتخبة، يصادق عليها ويقيلها الملك، مع تعديلات دستورية طفيفة، وخلال فترة تهيئة بين 4-8 سنوات، هي المخرج الوحيد الآمن، لتحقيق تنمية سياسية حقيقية، وإنجاز مفهوم إصلاحي شامل، يخضع لمراقبة سيد البلاد الحثيثة والدائمة، وللمرجعية الملكية التي يثق بها أبناء الوطن جميعاً، والتي ستفتح الباب بشكل أكيد، لإثراء الحياة السياسية الأردنية وتنوعها، وتفعيل دور أحزابها وفعالياتها السياسية، من دون خوف من التفرد بالولاية من قبل مجموعة معينة قد تحصل على امتيازات "شرعية" تمكنها من الانقضاض على الوطن وأبنائه وخيراته والتلاعب به من غير حسيب ولا رقيب.
لجنة الحوار مكلفة اليوم في بحث قانوني الانتخاب والأحزاب، لكنها مكلفة أيضا بوضع التصورات التي ستكون عليها مخرجات هذين القانونين، وبشكل محكم، فالناس يريدون أن يعرفوا ماذا بعد إقرار قانون انتخابي يشتمل على التمثيل النسبي والقوائم الانتخابية. ولو كانت لجنة الحوار نفسها ذات مرجعية ملكية، كما طالبنا واقترحنا من البداية، وليست ذات مرجعية حكومية، لما وضعنا يدنا على قلوبنا اليوم، وتخوفنا من انهيار اللجنة في حال إقالة الحكومة.