تناقض النخبة وشيزوفرينيا المجتمع

يوميا، ثمة انتهاك لحقوق العمال الوافدين في الاردن، وبنفس الوقت هناك انتهاك لحقوق اصحاب العمل من العمالة الوافدة التي تهرب من مكان عملها او تمارس عملا عند صاحب عمل آخر، والقضية دوارة بامتياز وليس من باب المبالغة اذا قلنا: ان الاعتداء البدني واللفظي سمة اردنية في الفترة الاخيرة بين الاردنيين انفسهم ومع الاخرين، واشتكى كثيرون من ارتفاع منسوب الغضب الشعبي الذي تمثل عنفا جامعيا وشارعيا الى درجة القلق والمطالبة بقراءة الظاهرة وتعديل التشريعات للحد منها ومن نافل القول، ان اعتداءات كثيرة جرت من اردنيين على وافدين والعكس صحيح، لكن الكاميرا لم تكن هناك وبالتالي لم تأخذ القضية اكثر من حجمها كما قضية الوافد المصري في العقبة مع شقيق النائب وتورط فيها النائب نفسه . الظاهرة الاغرب من ظاهرة الغضب والانفعال هي ظاهرة الانفعال المقابل او المضاد والذي اخذ شكلا يوحي بأننا مجتمعا ملائكيا هزّه العنف البدني الذي يُمارس في معظم البيوت الاردنية ضد الابناء والزوجات يوميا وبشكل تقليدي ، ولا اقع في خانة الظن الآثم ان قلت ان معظم المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يمارسون العنف البدني واللفظي ضد الاخرين سواء كانوا عمالا او مشاة او في مركباتهم، لكن مرة اخرى جازى الله الكاميرا الحاضرة او المتقصدة في تلك اللحظة او المشاجرة التي نقلت الراي العام الى خانة الملائكية الافتراضية وجعلت اعضاءً في مجلس النواب يتسارعون من اجل ترتيب وفد برلماني لزيارة الشقيقة مصر وأخذ عطوة من الشعب المصري . نوابنا الافاضل الذين لا تهتز لهم رقبة من اجل كل المآسي التي يعاني منها المواطن الاردني، صارت قلوبهم رحيمة الى حد تجشم عناء السفر الى مصر من اجل تطييب خاطر وافد مصري رغم انهم مارسوا كل اشكال العنف على المواطن من خلال ضعف رقابتهم وسوء تعاطيهم مع التشريعات وغياباتهم المتكررة عن المجلس والجلسات، بل ان بعضهم حتى اللحظة لم يدفع فواتير حملته الانتخابية، ومن جديد قاتل الله الكاميرا التي جعلت حمّى السفر عند نواب تأخذ شكلا وطنيا وجعلت فرصة لقاء السيسي واعلامه على حساب رقبة وافد مصري ورقاب دافع الضريبة الاردني . الاعلام المصري بدوره وجد ضالته في حادثة الضرب واستثمرها كمدافع عن المواطن المصري دون سؤال سطحي وضروري عن وقفته مع المواطن المصري الذي يعمل في مصر او سؤال بسيط عن اوضاع العمالة المصرية في كل ارض وعن اوضاع المصريين في دول النفط والثراء وعن راتب المصري الذي يفتح باب السيارة للاعلامي نفسه وشكل تعامله معه، وعن اسباب انهيار قيمة الوافد المصري في كل الدول تقريبا وقبوله العمل بظروف صعبة ورواتب متدنية وقبوله ان يكون دائما حاضر في خدمة صاحب العمل واسرته واصحابه وبأي مهمة او وظيفة، فهذا الشعب الطيب قبل كل اشكال العمل من اجل لقمة العيش . ربما يحتاج الاعلام المصري حادثة الاعتداء تلك من اجل غسل صورته في مصر امام المواطن المصري الفصيح الذي يعلم حجم الخديعة التي تعرض ويتعرض لها الان من الاعلام وحجم غياب الاعلام عن رقابة السلطة ويعلم حجم التراخي في المطالبة بحقوقه البسيطة، ولكن ماذا يريد الاعلام الاردني الذي أسهم في تضخيم الحادثة لاسباب انفعالية ولحاقا بالاعلام الافتراضي الغرائزي الذي أسهم في تشويه كل صورة وكل موقف؟ بل هو اعلام يدعم الفكرة ونقيضها ويمارس الثنائية كل دقيقة واقل. سلوك العنف مرفوض والقانون هو الفيصل مهما كانت رتبة المتخاصمين والفوارق الاجتماعية والوظيفية بينهما، لكن سلوك الفزعة والشيزوفرينيا هو الاكثر ادانة وهو الذي يفضي الى العنف والتطرف .