ثلاثة تساؤلات حول البرنامج النووي الأردني

قبل المضي قدما في اية خطوة تتعلق ببرنامج الطاقة النووية في الأردن، لا بد من تحديد الإجابات على ثلاثة تساؤلات استراتيجية لا زالت غامضة وغير واضحة المعالم.

 

التساؤل الأول هو معايير السلامة. أثبتت الحالة الأخيرة في اليابان أن محطات الطاقة النووية معرضة للكثير من المشاكل، وحتى في حال كان رصيد الأخطاء قليلا فإن تبعاته خطيرة جدا لأن حادثا واحدا كفيل بإحداث مأساة إنسانية خاصة في غياب ثقافة الإتقان في العمل والإدارة السيئة والتي تنتشر في الدول النامية ومنها الأردن. أن مفاعلات الجيل الثالث والتي من المتوقع استخدامها في الأردن لم تخضع لوقت طويل من المراقبة والتقييم في الأداء وقد بنيت كافة السيناريوهات الخاصة بالسلامة على المحاكاة والنماذج الحاسوبية. لا يزال مفاعل الجيل الثالث والمعتمد على الماء المضغوط والذي يتم تنفيذه في فنلندا من قبل شركة أريفا منذ العام 2005 يمر بمشاكل فنية واقتصادية في البناء جعلته يتأخر لمدة 5 سنوات بينما في بريطانيا قررت الحكومة البريطانية تأجيل تقييمها لمعايير السلامة لمفاعل الجيل الثالث الذي تبنيه شركة ويستنغهاوس إلى حزيران 2011 بسبب غياب المعلومات الكافية.

 

القضية الثانية هي المخلفات النووية. لا زالت عدة دول رائدة في سباق الطاقة النووية تقف عاجزة عن إيجاد مواقع آمنة ومقبولة سياسيا واجتماعيا وبيئيا للتخلص من المخلفات النووية وينطبق هذا الأمر بشكل واضح على ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية حيث تعتبر كافة مواقع التخلص من المخلفات النووية حتى الآن مواقع مؤقتة وتحمل مخاطر كبيرة على الصحة والبيئة. وفي الواقع وبعد نصف قرن من الزمان منذ البدء بإنتاج الطاقة الكهربائية نوويا لا يوجد مكان واحد في العالم مرخص وجاهز للاستخدام كمكب للمخلفات النووية، حيث يتم تخزين نفايات متوسطة الإشعاع في أوعية خاصة وقريبة من السطح في فرنسا واليابان والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا أما في ألمانيا فيتم تخزين المخلفات مؤقتا في منجم قديم للحديد لا يزال قيد التطوير ليتم افتتاحه رسميا كمكب معتمد في العام 2014 بالرغم من وجود معارضة شديدة من الرأي العام في ألمانيا. وهذا ما يوضح أن مسألة التخلص من المخلفات النووية سوف تمثل مشكلة حقيقية في الأردن ولا بد من وجود موقع مناسب فنيا، ومجهز بكافة الوسائل للحماية وأن يحظى بدراسة تقييم أثر بيئي ذات مصداقية وجدية في مرحلة مبكرة جدا قبل اتخاذ القرار الخاص بالمضي قدما في مشروع الطاقة النووية وأن تكون هذه الدراسة مرتبطة مباشرة بدراسة اختيار مواقع المفاعلات المقترحة.

 

القضية الثالثة هي استخدام المياه لأجل تبريد المفاعلات. تعتبر المفاعلات النووية خيارا ممكنا في الدول ذات الوفرة المائية مثل أوروبا والولايات المتحدة وشرق آسيا وروسيا ولكنها تشكل كارثة حقيقية في الدول التي تعاني من شح المياه مثل الأردن والدول العربية. أن كافة تقديرات الموارد المائية في الأردن تشير إلى انخفاض متواصل في المياه المتاحة للشرب والصناعة والسياحة والزراعة والنشاطات التنموية الأساسية فكيف يمكن إيجاد الكميات الهائلة من المياه المطلوبة لتبريد المفاعلات النووية؟ أن مفاعلا نوويا من مفاعلات الماء الخفيف المضغوط بقدرة 1 ميجاواط يحتاج إلى 1800 متر مكعب من مياه التبريد في الدقيقة في حال تم استخدام نظام تدفق المياه لمرة واحدة أو 80 مترا مكعبا في الدقيقة في حال استخدام الدورة المغلقة فهل ستتمكن محطة الخربة السمراء للمياه العادمة من تزويد المفاعل النووي بهذه الكميات من المياه طوال السنة وهل ستكون مجانية أم بسعر محدد خاصة أن هذه المياه تستخدم في بعض النشاطات الزراعية في الهاشمية (الأعلاف) وكذلك في الإغوار بعد إبقائها في سد الملط طلال للتنقية الطبيعية؟

 

نحتاج إلى إجابات واضحة قبل المضي قدما في اية خطوة.