القدس تستحق هذه التضحيات


 

باسم الخوف حاصر الاسرائيليون تاريخ وجودهم. وباسم الخوف حاصر الاسرائيليون الشعب الفلسطيني. وباسم الخوف اشتبك الاسرائيليون مع المقدسيين، وحرموهم من ممارسة حياتهم العادية، ومنعوهم من ممارسة شعائرهم الدينية، واعتدوا على الاقصى سيد المعالم المقدسة، لكن في النهاية، اعاد الاحتلال المقدسيين الى وعيهم الوطني، عبر اشتباكه الدائم مع المدينة العتيقة التي منحها الله هذا الجمال والبهاء والتاريخ المقدس.
اهل القدس على قناعة بأن مدينتهم المقدسة تستحق هذه التضحيات، وأن الحرية تستحق هذا الثمن، لذلك هبوا لنجدة الاقصى وحماية المقدسات بوعيهم الوطني، وتركوا ابواب الاحتلال مفتوحة على الهاوية، لأنهم على قناعة ايضا بأن اشتباك الاحتلال مع القدس هو اشتباك مع كل العواصم، رغم حدوث هذه الانهيارات التي فرضت تجميد الصراع العربي-الاسرائيلي، كما فرضت تغيير الخطاب السياسي العربي في وقت لم تعد فيه اللغة واحدة ولا الموقف.
اعتقد قادة اسرائيل الجدد وحكومتهم اليمينية المتطرفة أن العالم نسي قضية الشعب الفلسطيني في زحمة الاقتتال العربي، كما تجاهل العالم مسألة الاحتلال، وأغمض عينيه عن وجود آخر استعمار استيطاني على الكرة الارضية. هذه القناعة اغرتهم باصطياد اللحظة، وفتح معارك جانبية لاشغال الفلسطينيين والعرب والعالم عن المواجهة المركزية الاهم والاعم، والمشكلة الام وهوالاحتلال من أجل فرض حقائق جديدة على الارض في فلسطين، وبالتالي منع قيام الدولة الفلسطينية، والاكتفاء بمنح السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا، من أجل تحقيق المشروع الصهيوني الكبير عبر اقامة المزيد من المستوطنات وتنفيذ خطة التهويد، واقامة الدولة اليهودية «وطن لكل اليهود».
وهذا المشروع الاسرائيلي يقضي بمنع المصالحة الفلسطينية بهدف ادامة عزل قطاع غزة عن الضفة، واعتباره في المستقبل القريب دولة فلسطينية لكل الفلسطينيين. خصوصا ان في غزة المطار والميناء وفي بحرها حقل الغاز، كما تملك بوابة برية مع الدول العربية عبر مصر. وأعتقد ان حكومة اليمين في اسرائيل تعمل في هذا الاتجاه، وأن نتنياهو الذي يتولى ادارة الازمة الان يضع هذا المخطط في درج مكتبه لأنه مشروع الليكود منذ امر شارون بالانسحاب من القطاع من طرف واحد دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، والأهم ان اسرائيل تريد الابتعاد عن غزة المقاومة الصامدة الصابرة، لأنها شوكة في خاصرتها، وهي قادرة على دفع ثمن الحرية، وعصية على التدجين، وفي النهاية تملك خياراتها.
ولكن، رغم الواقع العربي المحزن، ليس بالضرورة ان تجري الرياح حسب ما اشتهت سفن نتنياهو والليكود واليمين المتطرف في اسرائيل. الشعب الفلسطيني ما زال يملك خياراته، واذا لم يتمكن المدافعون عن القضية الفلسطينية من التوصل إلى حل حتى الآن فذلك لا يعني ان القضية انتهت، فالانتفاضة تتوالد في رحم المرحلة، وللحجر شهية المقاومة في مواجهة القمع والارهاب، وابواب القدس ما زالت مفتوحة على المدى العربي لاعادة ارتباطها بصلة الرحم.
وهنا نستطيع التأكيد انه بالصمود الاسطوري وخيار الانتفاضة يمكن هزيمة المشروع الاسرائيلي، وبالتالي دفع نتنياهو الى طريق مسدود، وافشاله في ادارة الازمة، وانتظار ذئاب اليمين المتطرف في اسرائيل للانقضاض عليه وتفجير اشد الحكومات تعصبا من الداخل.
في القدس يقيم اهلنا الاعراس، وفي القدس يرتكب الاحتلال المذابح، وترتفع شعارات يطلقها القاتل والضحية في لحظة المواجهة. ولكن العالم يعرف من هو الارهابي ومن هو المحتل. والحجر الذي يقذفه طفل مقدسي على دبابة يهز ضمير العالم الذي بات يسأل عن حق تقرير المصير لآخر شعب يواجه ابشع اشكال الاستعمار الاستيطاني على وجه الارض.