استغاثة «بي بي سي»

«نموذج «بي بي سي» ألهم الكثير من القنوات الحكومية حول العالم». هذه التحية وغيرها ترد في الرسالة المفتوحة التي أرسلها مديرو سبع قنوات تلفزيونية حكومية إسكندنافية الى صحيفة «الغارديان» البريطانية أخيراً. تضم الرسالة عبارات مديح وتحذير من تفكيك نموذج «بي بي سي»، الذي يدور الحديث عنه داخل الحكومة البريطانية، منذ أشهر، استجابة لما يحدث في الساحة الإعلامية العالمية من تغييرات.

 

 

تأتي رسالة الإعلاميين الاسكندنافيين، لترمي مزيداً من الزيت الى النقاش المشتعل حول مستقبل هيئة الإذاعة البريطانية. فهي تكشف الدور الذي لعبته المؤسسة البريطانية عبر السنين في خلق ودعم نموذج إعلامي عالمي شديد الأهمية، يجمع بين المهنية العالية والإستقلالية عن الحكومات التي تسنده مادياً، في مقابل المنافسة على تقديم محتوى مثير ينافس ذلك الذي تنتجه القنوات التجارية، وهو بالضبط ما تفعله «بي بي سي» منذ عقود.

 

 

حذرت الرسالة المفتوحة مما يدور في كواليس تقرير مصير «بي بي سي»، رغم الوعود بأن التغييرات لن تصيب المؤسسة خارج بريطانيا، اذ ستنشأ كيانات إعلامية جديدة تحمل اسم «بي بي سي» في المستقبل. فالرسالة تخشى أن تفكيك «بي بي سي» في عقر دارها، يعني سلب المؤسسة من العناصر التي خلقت اسمها وديمومتها، كالتفاعل مع المشهد المحلي، وتطوير نموذج إعلامي يسعى أن يرضي ذائقة هذا المشهد، من دون التخلي عن ثوابته الإبداعية والأخلاقية.

 

 

واذا كانت الرسالة المفتوحة ركزت على النموذج الإقتصادي للـ «بي بي سي»، كجهة إعلامية مدعومة مادياً من الحكومة البريطانية، وأهمية هذا النموذج في وقتنا الحالي بالتحديد، الذي يشهد تغييرات عاصفة تطاول كل المؤسسات الإعلامية التقليدية. فإن هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن أهمية «بي بي سي» كمنتجة لمحتوى تلفزيوني يشكل منذ عقود عنصراً أساسياً في البرمجة التلفزيونية لمعظم القنوات الحكومية الاوروبية الغربية. فهذه الأخيرة انحازت ومنذ سنوات بعيدة الى أعمال «بي بي سي»، وفضلتها لاعتبارات عدة على البرامج التلفزيونية الآتية من الولايات المتحدة مثلاً. صحيح أنّ رؤية شعار «بي بي سي» على برنامج ما، يكون كافياً أحياناً للإطمئنان الى جودته، الا أن هناك موقفاً ضمنياً، يرى في نجاح برامج المؤسسة البريطانية الحكومية، مصدراً للفخر. ويتماشى مع الشعارات والمطالب التي طالما رفعتها القنوات الإعلامية الاوروبية المدعومة حكومياً، من أن استمرار وجودها، هو أمر في غاية الأهمية. فالإستقلالية المادية التي يوفرها الدعم الحكومي، تجعل هذه المؤسسات قادرة على تنفيذ مهامها في تقديم خدمات إعلامية رصينة ونزيهة ومستقلة، من دون التخلي عن المنافسة مع القنوات التجارية، اذ يُمكن اعتبار «بي بي سي» مثالاً ناصعاً على الجمع بين الإبداع والمسؤولية.