نعَمْ لتنقية العقول الشابة.. كما ورد بخطاب الملك

دُعيت لإلقاء الكلمة الإختتامية لفعاليات مؤتمر نموذج الأمم المتحدة MUN والذي أقامته المدرسة الأهلية بالعاصمة عمان ،على مدى ثلاثة أيام متتالية في فندق كيمبينسكي وتمحور موضوع المؤتمر حول فكرة « التعاون الدولي والتنمية »شارك فيه اكثر من 200 طالب وطالبة من مدارس وجامعات مختلفة كل واحد منهم بالمؤتمر يمثّل مُحاكِيا مندوب دولة بالعالم أو جهة معيّنة معْنِيّة.
وبما أنني عادة لا أكتب عن دوري بأي نشاط ولكنني ارتأيت هذه المرّة مخالَفة القاعدة المعتادة لأن في مخالفتها فائدة واستفادة.
فالمؤتمرعبارة عن برنامج أكاديمي مستمر يحاكي هيئة الأمم كنموذج هادفا لتثقيف الطلاب من الصف التاسع حتى الجامعة بموضوع التربية المدنية والدبلوماسية والتواصل الفعال عبر جلسات تشبيهية ويقوم المشاركون من خلال هذا النظام بتولي أدوار الدبلوماسيين والتحقيق بالقضايا الدولية ويعملون على الخروج بحلول مناسبة للقضايا العالمية من خلال التشاور والحوار والاستماع للرأي الآخر مما يحفزّهم على اكتساب مهارات العمل كفريق واحد، والتفاوض وادارة الوقت والالتزام والكفاءة.
وبالفعل فمِنْ خلال اللقاء الوجيز معهم ومع مديرة المدرسة الأهلية الأستاذة «أليس عبّود» تعرّفت على الإمكانيات التي يمكن أن يقوم بها الشباب ذكورا وإناثا بهذه السن المبكّرة إمكانيات يغلّفها الشغف وتؤطرها الثقة بالنفْس. وهذا ما جعلني أغيّر مساق كلمتي التي أعددتها مسبَقا لتلك العيون المضيئة المفعمة بالأمل والمتطلعة نحو مستقبل مشرق لأنني شعرت حينها بأنني ملزمة بالتركيز على محطات مستعجَلة كتنقية العقل من الشوائب المسبِّبَة لتغييب وغياب الاعتدال.
مستهلّة كلمتي بأهمية « الخطوة الرابعة « من الخطاب التاريخي لجلالة الملك عبد الله الثاني الأخير المتضمن لسبع خطوات والمطالِب بهذه الخطوة بالذات ، بتعظيم صوت الاعتدال في وسائل إعلامنا لمناهضة الجهل والتطرّف والأهم زراعة الاعتدال و»نقاءه» بعقول الشباب حتى يتبنّى الشباب المبادئ النبيلة للتسامح والتعايش.
فعملية «تنقية «العقول من شوائب التطرف حتما سترفع من نسبة الاعتدال فيها.
ولكن كيف ننقّي العقول من التطرّف ؟
جزء من الإجابة يكمن بمضمون رواية لي بعنوان: «حجاب العقل «.
حجاب «غير مرئي» و»غير ملموس « وغير مادي ، فهو معنوي بحت إنه «حجاب من نوع آخر «بغلالاته المتعددة المحيطة بدواخل عقولنا من جهل وطمع وأنانية كلها تحجب رؤيتنا للآخر سواء كان من داخل الأسرة نفسها ،المجتمع الواحد او بالعالم بأسره صحيح أن مضمون «رسالة عمان «، و «كلمة سواء « و « الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان «حيث اعتمدته هيئة الأمم كمناسبة سنوية.
فكل مضامين هذه المبادرات انطلقت من صميم عمّان لتشجيع الناس عامة والشباب بخاصةعلى الحوار والتسامح، لنشْر الوعي كجزء من الحل ، إلا انه يبقى الجزء الآخر ألا وهو السلوكي والعملي والمنبثقان عن عادات وسلوكيات تتراكم مكوّنة ثقافة «إيجابية» او «سلبية» ، وِفْق نوعية هذه السلوكيات.
وكلما قمنا ب «إِعمال العقل « مركّزين على الجوهر والمضمون عوضا عن الشكل والمظهر كلما تطوّرت ثقافتنا فعدم إعمال العقل عند البعض يقف وراء غياب الحوار وعدم الاستماع للرأي الآخر معطلا التفكير الموضوعي الناقد مسببا حالة ابدية من الانغلاق العقلي وضيق الأفق..
وللأسف فما أكثر ما ترتدي الدول المتطورة «حجاب العقل « أثناء تعاملهم مع الثقافات الأخرى مغيبين الحق والعدالة اثناء تعاملهم معنا بعكس تعاملهم مع ابناء جلدتهم وشركائهم بالمصالح!
فيبرز مفهوم «الآخر « بين الشعوب في الصراع الحضاري والثقافي ، مقطّعاً جسور التواصل مغيّبا الحوار بين الثقافات ولهذا نطالب بتنقية «العقل الأممي» في أروقة الأمم المتحدة نفسها من شوائب الازدواجية والتمييز.
باختصار حجاب «العقل» هو المسؤول عن سلسلة مستمرة لحالات سوء الفهم لكافة الأشياء المحيطة ، وحجاب «العقل» هو أداة «رمزية» لا تُرى بالعين المجردة ولكن يتم لمْس هذا الحجاب من خلال سلوكيات وأقوال وأفعال البعض تجاه الآخرين المختلفين عنهم في الجنس واللون واللغة والدين رافضين التنوع والتعددية.
فعدم إعمال العقل لتغليف البعض له بأغلفة الجهل ،والأنانية ،والطمع بمجتمعاتنا رجالا ونساء ، شيبا وشبابا، يؤدي إلى رفضهم البات ل «التنوع» والتعددية وهذه النوعية غير قادرة على مد جسور التواصل حتى مع النفس فما بال الآخر؟
ومن هنا يجدر تنقيته عبر التربية والتعليم سواء بالأسرة أوالمجتمع وعبر وسائل الإعلام
فلنتخلص من أغلفة الجهل والطمع والانانية، المصاحبة لتغييب العقل فالإصلاح يبدأ بالنفس أولا منقّينها من شوائبها مؤمنين بالتنوع داعمين بذلك التعددية بأنواعها.
لأن الالتزام بالمساواة يعني القبول بالتنوع !
ولكنْ كيف نطالب بالمساواة إذا كُنا أصلا نرفض ثقافة التنوع وقبول الآخر؟