روسيا والغرب ..هل هي حرب على السيادة ام على الارهاب ؟!!
قبل البدء بالحديث عن مشهد الحرب الدائرة الان في سوريا لنعود لسنوات مضت ونبين كيف كانت العلاقة السورية مع اوروبا والغرب بوجه التحديد, وبين الشرق وروسيا بوجه خاص , منذ ان بدأ نظام البعث القومي حكمه لسوريا قبل عدة عقود انتهجت الدولة السورية سياسة الانتقاء الثقافي والمعرفي على حساب خلق روابط بينها وبين تلك الدول, وذلك لايمانها بأن ديمومة العلاقات توطدها تداخل الثقافا ت وليس اختلافها , الا انها اي سوريا بنت علاقات دبلوماسية مع كل الدول الاروبية وامريكا ايضا , فالفكر السياسي الذي قامت عليه الدولة العربية السورية لايدخل بنفس النسق الذي بنيت عليه دول اوروبا والولايات المتحدة , حيث بنيت اوروبا الحديثة والولايات المتحدة على النظرية الرأسمالية الشمولية , لهذا كان واضحا للعيان على مر السنين الماضية طبيعة العلاقات الهادئة والغير فعالة في كثير من المجالات بينهما , وفيما بعد كان الاتجاه السياسي الاوروبي والامريكي يقتصر على حليفتهم الوحيدة والحصرية بمنطقتنا العربية الا وهي اسرائيل , من هنا تمخضت العلاقات السورية مع الدول الاوروبية التي يتصارع على حكمها المكون القومي والمكون الاخر المسمى ديموقراطيا , فتزاوجت علاقاتها مرحليا مع تلك الدول وخاصة عندما كانت الاحزاب القومية هي التي تحكم هناك , وكان الفتور في العلاقة يحدث عندما يتنحى القوميين لحد ماء عن ادارة تلك البلاد , والسب واضح لان النزعه القومية عندما تؤثر في الحكم لاي بلد كان توضح معالم السياسة الخارجية لتلك الدول اكثر من النزعات ذات الحس الشعبي او الرأسمالي( لتغير نهجها باستمرار), عندها ونتيجة لتلك الرؤى الغير واضحة الملامح اتجهت سوريا للعلاقة مع الاتحاد السوفييتي السابق لايمانها بأن السياسة القومية بانظمة حكم تلك الدول سيبقى الى امد بعيد , ولان مصالح النظام السوري ستلقى ركيزة ثابتة تعتمد عليها مستقبلا مع تلك العلاقات , وخاصة بعد ان اتضحت طبيعة السياسة الغربية الامريكية المساندة للكيان الصهيوني العدو رقم واحد للعرب , في هذه الحالة نضجت الرؤية السورية لعلاقاتها الخارجية مع الدول فاصبحت دولة واضحة المعالم والاتجاه بعكس الكثير من دول المنطقة , وفيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بقيت العلاقة القوية هي الرابط المميز بين سورية وروسيا لالتقاء المصالح المشتركة فيما بينهما وذلك لايمانهما يأن الراسمالية الاوروبية والامريكية هي الخصم المقابل لهما , فبعد ذلك تعززت الثقة في الجمهورية العربية السورية من قبل روسيا كدولة حليفة لها لعدم انحيازها للنفوذ الامريكي الغربي فيما بعد .
وللحديث عن المشهد السوري هذه الايام من خلال التدخلات الغربية الامريكية والروسية , نود الاشاره بأن استراتيجية الحرب الجوية في السماء السورية اخذت ابعادا مختلفة بين ما كان قائما من قبل الغرب وامريكا وبين ماهو قائم الان من قبل القوات الجوية الروسية , ولتوضيح ذلك نود الاشارة لمايلي :
اولا : بالنسبة للغرب وامريكا ..بدأ هذا التدخل من خلال الضربات الجوية الموجهة ضد مايسمى بتنظيم داعش ومواقعه ونقاطه الهامة على الارض السورية , حيث غاب عن هذه الضربات مايسمى بالنسق الاستراتيجي الفعال والذي يمهد لخلق نقاط مرور للقطعات العسكرية على الارض , والسبب هو عدم نضوج مايسمى بالجيش الحر كقوة فاعلة تستطيع السيطرة واحتلال المواقع الارضية وذلك لان الامريكان والغرب هدفهم الرئيسي من خلال هذه العمليات هو اضعاف الجيش السوري لاقصى درجة على حساب تنامي قوى المعارضة من الناحية الاخرى , واعلنوها اكثر من مرة عبر وسائل الاعلام المختلفة بضرورة رحيل النظام السوري قبل البدء بجديتهم بمحاربة التطرف والارهاب على الارض السورية , الا ان الضغوطات الاقليمية جعلت التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة تبدأ حربها الجوية في السماء السورية ضد مايسمى بالارهاب مع العمل على بناء وتدريب هيكلية المعارضة المعتدلة وتسليحها , عندها اتجهت هذه الضربات الجوية الامريكية والغربية على الارض للتخطيط لعنصر المجابهة المباشرة بين فلول وجيوش التنظيمات الارهابية والمواقع التي ينتشر بها قوات الجيش النظامي السوري , وذلك لتكون الخسائر اكبر ما يكون من قبل الطرفين المتواجهين على الارض , الا ان اغلب النقاط التي تم قصفها من قبل الطيران الامريكي الغربي رغم تدميرها لم تحقق ما هو مامول منها لاقحام الجيش السوري بحرب ضروس مع تنظيم داعش , لهذا يتسائل الكثيرون ممن يجهلون الطبيعة الاستراتيجية للحرب من قبل النظام السوري وذلك لعدم ذهابهم مباشرة في العمق لقتال تنظيم داعش , فالخطة ليست موحدة بين القوات الجوية وقوات النظام لاختلاف اهداف الجهتين , النظام يرى بطبيعة العمليات الغربية عملا عدائيا لجره لنقاط مواجهة نتائجها غير معروفة , والقوات الغربية الجوية ترى ضرورة عدم تدمير نقاط القوة بتنظيم داعش حتى لايخدم ذلك سيطرة الجيش السوري على الارض , وهذا بالنسبة للغرب وامريكا نتيجة لايمانهم بأن الجيش الحر والمقاومة السورية المسلحة التي صنعوها مازالت غير جاهزة لاستلام زمام الامور على الارض , حيث ينقصهم الكثير من التدريب والاعداد الصحيح وهذا يحتاج للكثير من الوقت , من هنا وخلال ستة اشهر مضت لم نسمع الا هدير الطائرات فوق السماء السورية والاعلان بين الفترة والاخرى عن تدمير منشاة او تجمع ماء وحركة التنظيمات الارهابية تتبادل مواقعها بالتناوب , لهذا اصبحت الصورة واضحة للجميع بأن التحالف الجوي لتدمير داعش واضعاف النظام السوري مازال بعيدا جدا عن ما هو مامول , ومعانات الشعب السوري بازدياد مستمر ... , لذلك بقيت الاستراتيجية الحربية الجوية للحلفاء قائمة فقط على تدمير المواقع بطريقة انتقائية لاترتبط بانهاء الحرب ضمن المدى المنظور ...
ثانيا : التدخل الروسي واستلامه زمام الحرب على تنظيم داعش وباقي التنظيمات الارهابية على الارض السورية .... هنا اختلفت الاستراتيجية بشكل واسع عن مثيلتها لدى امريكا والغرب ... حيث وضحت معالم الاستراتيجية الحربية الجوية الجديدة , فقد بنيت على دعم قوات النظام السوري توازيا مع الضربات الجوية , وهذا مما اثار حفيظة الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية المناهضة للنظام السوري , لانهم يعلمون علم اليقين بأن النتائج للضربات ستنعكس اثارها على الارض من خلال اضعاف المنظمات الارهابية من ناحية ومن ناحية اخرى رفع الروح المعنوية للجندي السوري واعطائة كثيرا من الثقة التى تمهد للسيطرة على اكثر المواقع المهجورة من قبل التنظيمات المدمرة , فالاستراتيجية الروسية واضحة النوايا والمعالم تتمحور وكما قال الرئيس الروسي بامرين دعم الجيش السوري والقضاء على الارهاب الذي تعاني منه اغلبية الدول المحاذية لروسيا والدولة الروسية بحد ذاتها , اذن قوات جوية تدمر وتنسيق على الارض مع النظام السوري وتبادل مهم للمعلومات , فالمشهد الروسي للحرب واضحا لاغبار فيه بينما المشهد الامريكي يشوبه الكثير من الشك لاهداف كثيرة لم يتم الاعلان عنها بعد , فان تاتي لتغير النظام السوري مختلف تماما عن نيتك الصادقة للحرب على الارهاب ...فالروس هنا يعلمون كل العلم ان اقحامهم بهذه الحرب لايقبل الهزيمة كما حدث بافغانستان حيث دخلوا هناك من اجل الاحتلال بينما في سوريا دخلوا للدفاع عن دولة صديقة ونظامها معادي للغرب وامريكا , اضافة لمصالحهم الاستراتيجية بوجود النظام السوري الحالي وهذا حق مشروع , ....واخيرا في كل حرب لابد من خسائر في الارواح سواءا كانت مقصودة او غير مقصودة فلو تطرقنا للتدخلات والحروب الامريكية على العراق مثلا رغم ان الامريكان بادعائهم جائوا محررين فقد قتلوا وشردوا مئات الاف من المواطنين الابرياء العزل وتركوا البلاد ضمن دائرة التطرف والطائفية والاقتتال , وقتلوا ودمروا ايضا بافغانستان تحت ذريعة محاربة الارهاب والتطرف .. وكذلك دمروا وقتلوا الالاف بليبيا وبكل قسوة وتركوها ايضا ضمن حالة الاقتتال الداخلي والفتن, اما في سوريا مهما كانت النتائج فاذا ما نجح الروس بالتأكيد ستبقى دولة موحدة وذات سيادة ..........