فرح نصنعه لا نشتريه!

هي.. تجلس بسيارتها الفارهة، تنتظر أن يجلب لها أحد العاملين في مطعم الساندويشات السريعة وجبات كانت طلبتها.
وفيما ترقب المكان بانتظار أن يصل طلبها لتأخذه وتمضي، ترمق بعينيها رجلا وزوجته يدفعان عربة طفلتهما ذات الشهور الأولى من عمرها.
يمشيان باتجاه المحل ذاته، يتهامسان تارة ويتحدثان بصوت عال تارة أخرى، ولا يخلو الكلام من ضحكاتهما العالية وهم يلاعبان طفلتهما الصغيرة.
قرر الزوجان أن يجلسا على حافة صغيرة أمام مدخل المطعم المتواضع، بعد أن حملا الساندويشات وعصير الكوكتيل.
ربما لا يملكان الكثير من المال، أو على الأقل هذا ما بدا عليهما. لكن جلسة كهذه كانت كفيلة أن تغمرهما بالحب والفرح بعد يوم شاق حتماً في ملاحقة متطلبات العيش وضنكه، ختماه مع طفلتهما التي لم تكف أيضا عن اللعب والضحك.
كانت فرحتهما كبيرة؛ ببساطة الجلسة وعفويتها.. لم يتوقفا ثانية واحدة عن الكلام الذي تتخلله ابتسامة وحب وفرحة بالأشياء الصغيرة.
السيدة التي ترقب المشهد لم تسمع شيئا مما تحدث به الزوجان، لكنها رأت البهجة والفرح والتمسك بالأمل ظاهرة على وجهيهما. وفي لحظة ابتسامة حقيقية تخرج من القلب، ينحنيان أو الأدق أنهما يحنوان على بعضهما، كأنهما يعاندان تعب الدنيا.
الزوج إذ راح يحكي مطولا، كانت زوجته تستمع له بحب، وبدا أنها تخفف عنه من تعب ربما سيواجهه غدا في يومه الطويل والشاق، فبدت وكأنها تقول له: لا عليك، غدا سيكون أجمل طالما نحن معا، وطالما أننا نستطيع الابتهاج بالأشياء على قلتها وبساطتها.
طالت جلستهما، وهما يفترشان حافة الطريق، يقاومان كل ما في الحياة من إحباط وألم، بإصرار لا على استراق الفرح، بل وصنعه في كل لحظة قادمة، بلسماً يداوي الهموم.
في الأثناء، وصل عامل المطعم ومرر من شباك مركبتها ما طلبته. لكنها بقيت لاشعوريا تنظر إليهما بغبطة وفرح حملاه إليها من دون أن يدريا، فيعلمانها أن هناك مسرات لا تحصى من دون أي تكلفة!
تركتهما يكملان السهرة الجميلة اللطيفة على حافة الرصيف في طقس خريفي جميل، وذهبت إلى وجهتها حاملة معها بعض الأمل، وربما كثيرا من الخيبة من نفسها!
ربما اقتنعت، أن باستطاعة الإنسان أن يصنع بهجته من دون أي كلفة ولا مشقة؛ فالسعادة ليست وصفة جاهزة، إنما صناعة ذاتية بمقدور الشخص أن يتقنها مهما كانت الظروف التي حوله.. فقط إن أراد هو ذلك.
في شوارعنا، هناك أشخاص نلتقيهم باستمرار، نجد في ابتسامتهم متسعا للحياة، يتحايلون على الإحباط والألم والكآبة، يقاومون العواصف مهما كانت قاسية.
نعرف أن أسباب الحزن كثيرة، والإحباطات تملأ حياتنا سياسيا واجتماعيا.. خصوصا حينما نتأمل المشاهد التي حولنا، من إرهاب وقتل وإجرام وحرمان... لكن ووسط كل هذا، ألا يحق لنا أن نفرح قليلا وبأقل التكاليف في حياة ندرك كم هي قصيرة؟!
نستحق طبعاً، بأن نبحث عن فسحة أمل تجدد فينا الشغف، ولو مع قليل من جنون، نرد به جنون مآس كادت تلتهمنا، روحا إن لم يكن جسدا!