الاردن خسر 3 مليارات بسبب توزيع اراضي على المسؤولين!

لمّا كنت في الثالث الثانوي درسنا رواية الانكليزي جورج اورويل “مزرعة الحيوان” ضمن مقرر الانكليزي في حينها…
كان يتم تصوير الرواية، مثلما روايته الاخرى 1984، على انهما تنتقدان بعنف “النظام الاشتراكي”، ولكن اعتقد ان اورويل كان يريد نقد كل الانظمة القمعية الدكتاتورية او التوليتارية، انظمة الحزب الواحد..
اوريل في روايتيه، وخاصة مزرعة الحيوان، كان اضافة الى فرانز كافكا وميلان كونديرا، اول من استطاع ان يكتب بـ”لا عقلانية” عن انظمة “لا عقلانية”…
الان اتذكر رواية اوريل، واعتقد اننا حتى نستطيع فهم او تفسير الانظمة العربية والسياسات العربية نحتاج الى تفكير “غرائبي” او “لا عقلاني” مثل روايات اورويل، او “خفة الكائن” عند كونديرا خاصة فصلها الاخير…
يعني لا يمكن تفسير، او بالاحرى محاورة انظمة وسياسات لا عقلانية باسلوب عقلاني..
عندك مثلا مفكرين عرب، ومعارضات عربية هبلة، تتحدث عن اشياء في الوطن العربي مثل “القطاع  العام” او “الخصخصة”…
هذه مفاهيم اقتصادية/سياسية عقلانية، لا تنطبق ابدا على الواقع العربي الذي ليس سوى “مزرعة حيوان” كبيرة، مثل مزرعة اوريل يتزعمها مجموعة من الخنازير، حولوها الى حظيرة لهم ولابنائهم وجواسيسهم.
صحيح ان اوريل لم يكن يقصد إهانة “الحيوان” لكنه أراد وصف أنظمة لا عقلانية حكمت بلا ضوابط وبلا قوانين، وبأساليب القمع والارهاب الجسدي والفكري عبر بلطجيتها وقاعدة مولاتها الرثة امثال “الجراء” والحصان “بُكسر” و”القطة” المنافقة في رواية اوريل، وجواسيسها مثل “الغراب موسى”، الذي كانت وظيفته التجسس وإثارة الفتن بين الحيوانات..
المهم…
نرجع للاعقلانية “الانظمة العربية”، والمفاهيم الخاطئة عند المفكرين والمعارضين العرب..
يعني، لمّا يقولك “قطاع عام”، هذا مفهوم عند العالم محترم، يعني ان الدولة ككل، بوصفها ممثلة للشعب وفوق الطبقات تمتلك جهازا اداريا انتاجيا يعمل على خدمة الجميع..
عندنا يتحول “القطاع العام” الى “حظيرة” او “مزرعة” هدفها مراكمة رؤوس الأموال للنخب الحاكمة لا اكثر..
من اكثر من 40 سنة وصل الى الحكم في الدول العربية، جميعها، مجموعات غير متجانسة من العسكر او من المتعلمين حديثا، واتوا جميعا من بيئات ريفية او بدوية، او كما وصفهم محمود درويش :”النفايات التي طارت من الطبقات نحو العرش”، يعني قصد درويش انها فئات جاهلة، طماعة، قصيرة نظر، محدثة نعم منبتة الاصل..
هذه المجموعات التي “اغتصبت” السلطة بدأت تسعى إلى ما يعرف اقتصاديا بالتراكم الأولي لرأس المال، لذلك اخترعت “المزرعة” التي سوقت لنا على إنها “القطاع العام” كما عند غيرنا…
وقد استنفعت هذه “النفايات” ايضا من فكرة “العدو”.
دول الطوق اخترعت “العدو” الإسرائيلي، والدول البعيدة اخترع كل منها “عدوه” الخاص، ووضعت مجتمعاتها في حالة “انتظار البرابرة”، فضخمت موازنات الجيوش والأجهزة الأمنية لتمعن في تراكم الثروة، تحت مسميات الحرب تارة والممانعة تارة اخرى.
عندما انتهت هذه “النفايات التي طارت من الطبقات” من تراكم رؤوس الأموال، وشبعت وبطرت، واستنزفت “الحظيرة” تماما ولم تعد البقرة الحلوب قادرة على الحلب، واطعام الجميع. صار يجب التخلص منها، وممن خدم هذه “النفايات” امثال الجراء والحصان والغراب، لأنها صارت تشكل عبئا عليها…
وهيك قامت “نفايات الطبقات” باختراع عجيبة اخرى اطلقت عليها اسم “الخصخصة”، حتى توهمنا انها “دول عقلانية”، واننا لا نقل عن غيرنا، مثلنا مثل “الخصخصة” في اميركا والصين واوروبا..
لكن ما فعلته “نفايات الطبقات” كان شيء اخر مختلف تماما عن “الخصخصة” التي عرفها غيرنا كمفهوم عقلاني وسياسة اقتصادية عقلانية..
ما حدث عندنا ممكن نخترع له اسماء ومفاهيم اخرى ، يعني لا املك قدرة اوريل ولا كافكا ولا كونديرا في تطويع اللغة واشتقاق مفاهيم كما فعلو..
لكن مثلا ممكن نقول ان الخصخصة عند غيرنا كانت “فهلوة” عندنا.
يعني عملوا معنا مثل “مزرعة حيوان” اوريل في الضحك على ذقون “جماهير” الحيوانات الساذجة…
يعني بربكم كيف ممكن يصير عازف درمز تافه مثل احمد عز اغنى اغنياء مصر وربما العالم، ويراكم مبارك ثروة تقدر بـ70 مليار دولار مثلا.
او ضابط مخابرات سوري ريفي كان راتبه عام 1982 150 دولار يبني بيت ريفي بـ 30 مليون دولار.
او موظف عادي بمؤهل جامعي اول مثل باسم عوض الله يبني قصر ب 12 مليون دولار، طيب اذا القصر بـ 12 مليون ماذا عن باقي الثروة التي تكونت خلال اقل من 10 سنوات من عمله في “القطاع العام”،
او المتهم بشركة “موارد” بسرقة 200 مليون دينار بس، او مدير مخابرات سابق يهبر 400 مليون مرة وحده،، وقس على ذلك، وعلى سبيل المثل لا الحصر، والخ، وهلمجرا…
تخيلوا مثلا ان الاردن خسر حوالي 3 مليارات دينار خلال 40 سنة عبارة عن قطع اراض وزعت كهدايا على المسؤولين؟
وتخيلوا ان الدول العربية انفقت 3 تريليون دولار خلال 3 عقود على التسلح، ولم تكسب حربا واحده، ولا حتى مع “الحوثيين” في اليمن..
عندك بعض الاقتصاديين مصابين بالحيرة، لأنهم غير قادرين على تفسير سبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر عندنا بالرغم من ارتفاع معدلات النمو…
زمان، يعني من شي 18 سنة، قرأت كتاب للمفكر المصري فؤاد مرسي عنوانه “الاقتصاد السياسي لاسرائيل”، ولفتني سؤال..كان مرسي يتسأل ما اذا كنا نستطيع ان نتحدث عن وجود “اقتصاد” او اقتصاديات” عربية. ذلك ان ما عندنا لا ينطبق عليه “علم الاقتصاد” حتى لو كان هذا العلم “كذبة”، على رأي الاقتصادي المصري جلال امين، يقبل تفسير الظاهرة وضدها في آن…
ضل عندي نقطة حتى اخلص من مزرعة الحيوان…
هذه “النفايات” التي طارت نحو العرش”، عملت مثل خنازير اورويل كمان. فقد سمحت بهامش لما يسمى “المعارضة” عند الشعوب التي تحترم نفسها، وعينت كمان ناس مثل “الخنزير منيمس”، شاعر المزرعة، للامعان في تضليل سذاجة الجمهور…
اما عندنا فما بعرف شوسمو…
المهم هذه المعارضة كان هدفها تسويق أوهام “عقلانية” عن أوضاع “غرائبية ولا عقلانية”..
يعني لما “المعارض” او “الكاتب” او “المثقف” ينتقد “الحكومة” وينتقد “البرلمان ” وقانون الانتخابات” يرسخ في ذهن العامة ان لدينا حكومة وقانون وسلطات مثل بقية خلق الله، وان المشكلة تكمن في خرق القانون او تغول سلطة على سلطة، وهكذا فقد ضللتنا “المعارضة” والكتاب واستغلوا طيبتنا وسذاجتنا بينما الخنازير نابليون وسنوبول وسكويلر كانوا ينقلبون على ظهرهم من الضحك قائلين :” خدلك هالمساكين مصدقين حالهم عايشين بدول”…
باختصار: المواطن العربي الذي لم ينتقل من طور “معارضة” الانظمة الى طور “القرف” من الانظمة، اما انه مواطن عنده صبر ايوب او بعده مسكين مثل الفرس “كلوفر” الرقيقة والطيبة والساذجة في مزرعة حيوان اورويل…