من صفحاتهم تعرفونهم

تتحول صفحة "فيسبوك" إلى عنوان للأشخاص والمؤسسات، يقدمون بها أنفسهم. وأصبح من المألوف إدراج رابط "فيسبوك" في البطاقة الشخصية والسيرة الذاتية، وتمثل زيارة الصفحة الشخصية أو المؤسسية خطوة أولى تسبق التوظيف والمقابلات، والتعرف على الأشخاص والمؤسسات والسلع والأفكار، وتعود إليها المؤسسات الإعلامية والكُتاب على نحو تلقائي عندما يرد اسم في الأخبار.
في المشاركة العامة والتأثير والجدل العام، تعبر الصفحات الشخصية عن الاتجاهات العامة والمواقف والتأييد والمعارضة، ويمكن الاستدلال بها على رؤية الناس لأنفسهم ورسالتهم الذاتية. وفي مجال العمل والتسويق للخدمات والسلع؛ فرديا أو مؤسسيا، يمكن أيضا تقديم الأعمال والهوية التجارية للفرد أو المؤسسة. ولذلك، فإن عددا كبيرا من الأشخاص يستخدم صفحتين؛ إحداهما شخصية للتواصل الاجتماعي والمشاركة العامة، والأخرى مؤسسية لأغراض العمل، حتى لا يخلط الشخصي بالعمل، وحتى يظل المجالان يعملان مستقلين عن بعضهما.
الفلسفة الأساسية لشبكات التواصل الاجتماعي هي الوضوح، وربما المبالغة في الوضوح، وتقديم الذات إلى درجة الشكوى والشعور بفقدان الخصوصية. وبطبيعة الحال، فإن الاستخدام المعاكس والمضاد للشبكة هو الغموض وإخفاء الهوية؛ ما معنى التخفي والتمويه أو عدم الوضوح، أو عدم وجود شيء يذكر في الصفحة؟
كثير من الصفحات، وإن كانت تحمل اسما صريحا ومعروفا، لا تتضمن مشاركة يقدم بها المدون نفسه أو يعرف بها. وقد يؤشر ذلك إلى احتمالات ومواقف عدة؛ الصفحة تستخدم فقط لأغراض المتابعة، لتتيح لصاحبها التصفح والتواجد على شبكة التواصل لأهداف عدة: المتابعة الإعلامية والعامة للمواقع والصفحات، إما للعمل أو الاطلاع؛ وربما تعني أن صاحبها ليس له موقف أو رأي في المسائل العامة والثقافية والفكرية والمجتمعية والحياة اليومية، يقدم بها نفسه ويريد أن يدافع عنه (الموقف أو الرأي) أو يجادل حوله؛ أو أنه ليس له رسالة في حياته الذاتية والعامة، أو لا يريد التعريف بنفسه، أو لا يثق بنفسه ورأيه، أو لا يملك رؤية ورسالة يقدم بهما نفسه... وفي جميع الأحوال، ومهما كان تفسير هذه الحالة، فإنها مؤشر سلبي، ويمكن بناء تصور حولها بشأن فرص المشاركة والقدرة على التأثير والمساهمة والاتجاهات الانتخابية والاجتماعية لصاحب الصفحة.
وهناك صفحات كثيرة بأسماء مستعارة، تستخدم للحماية الشخصية والاجتماعية، وبخاصة للإناث؛ أو منصة لمواقف فردية أو عامة لا يريد صاحبها تحمل مسؤوليتها، وهي تؤشر بالتأكيد إلى ظواهر وحالات اجتماعية وفكرية تحتاج إلى توقف طويل ومتواصل. ونحن هنا في مواجهة حالتين متناقضتين وسلبيتين: أسماء واضحة بلا موقف، وأسماء مستعارة تحمل موقفا صارخا ومحددا، وقد يكون مبالغا في فجاجته أو تطرفه أو إساءته. والأسوأ إن كان الموقفان المتناقضان لشخص واحد، يكون هو نفسه حذرا ومتحفظا في صفحته المعلنة، ومتهورا وفجا في صفحته المستترة.
وهناك فئة ثالثة من الصفحات الطيارة والعارضة والمؤقتة والاحتياطية التي تستخدم في الحشد والتحريض والإساءات الجماعية، وقد يجري إنشاؤها لأجل موقف واحد او تعليق واحد وتختفي. لماذا تظهر صفحات تخلو من شيء أو نشاط سوى التعليق، وربما لمرة واحدة؟ كثير من هذه الصفحات تعمل في سياق مؤسسي منظم، لأغراض التسويق والدعاية أو التأثير السياسي أو الأيديولوجي أو الإشاعات والإساءات أو التشويش، وتكون غالبا بدوافع أيديولوجية، أو مقابل أجر، وتنسقها مؤسسات أو جماعات أو غرف عمليات.
المبدأ البسيط والواضح في تقييم الكتابة والنشر في الشبكة، هو المقارنة بين الصفحة الشخصية وبين الموقف والرأي؛ فإذا كانا منسجمين، فهو أداء يعبر عن موقف واضح وطبيعي، سواء اختلفت أو اتفقت معه. أما إذا كان بينهما تناقض أو فجوة، فهو سلوك مرتزق أو دنيء أو عدائي خطير.