لماذا توقف الحديث؟

خلال السنوات الماضية، وبالتحديد منذ انقطاع الغاز المصري في العام 2011، والذي تزامن مع ارتفاع كبير في أسعار النفط، إذ اقتربت من 120 دولارا للبرميل؛ قُدّرت خسائر شركة الكهرباء الوطنية بحوالي 5 ملايين دولار يوميا.
هذا المبلغ كان خسائر تتكبدها الخزينة، وتنعكس على عجز الموازنة والمديونية العامة بشكل كبير وخطير، إذ بلغت خسائر الشركة، بحسب بياناتها للعام 2014، مبلغ 1.2 مليار دينار.
اليوم، المعطيات اختلفت، ومن المفروض أن الأحوال المالية للشركة تبدّلت. لكننا، مع ذلك، لم نسمع منها حرفا واحدا حول التغيّرات، وكيف أثّرت على أرقامها؛ بخلاف فترة الأزمة التي أمطرنا خلالها المسؤولون بكل المعلومات عن حجم الخسائر، بحيث لم يكن يمر يوم إلا ونسمع تصريحات حول خسائر الخزينة والشركة لتغطية بند "دعم الكهرباء".
وفقا لأرقام استراتيجية معالجة مديونية شركة الكهرباء الوطنية، والمبنية للفترة 2013-2017، كانت التوقعات تشير إلى أن حجم الخسائر خلال العام الحالي سيبلغ 592 مليون دينار، مع التذكير أنها توقعات بنيت على معطيات وظروف مختلفة، تغيّرت كثيرا خلال العام الحالي.
أول هذه المتغيرات تراجع أسعار النفط خلال الفترة الماضية بأكثر من 50 %، ما يعني أن الشركة توقفت عن دعم الكهرباء خلال العام الحالي، وأنها بالتالي لم تُمنَ بخسائر مالية، هذا إن لم تكن تحقق أرباحا.
أما المتغير الثاني، فيتمثل في استيراد الغاز المسال عبر العقبة، حيث وصلت 15 باخرة محملة بالغاز خلال العام الحالي. وابتداء، فإن لهذا المتغير ميزة مهمة، تتمثل في الاستغناء عن الغاز المصري الذي توقف نتيجة عدم التزام مصر بتوفير المطلوب منها بحسب الاتفاق بين البلدين؛ لأسباب بعضها داخلي، وبعضها الآخر خارج إرادتها.
أما المنفعة الأهم لاستيراد الغاز المسال، فهي تخفيض كلف إنتاج الكهرباء. إذ غطى الغاز المستورد كامل احتياجات شركات توليد الكهرباء، بما يفترض أن ينعكس بالنتيجة على أرقام "الشركة الوطنية". إذ إن سعر الغاز أقل بكثير من ذاك الخاص بالوقود الثقيل الذي استخدمته شركات توليد الكهرباء في ظل سنوات الأزمة.
بناء على ذلك، وسواهما من متغيرات، فيفترض أن تحقق شركة الكهرباء الوطنية اليوم أرباحا. بيد أنها لم تنشر أرقامها المالية حتى اللحظة. فيما الأمر يحتاج شفافية من قِبَلها، بأن تعلن الأرقام الحقيقية التي توضح واقعها الحالي، وضمنه حجم الخسائر المتراكمة عليها خلال السنوات الصعبة السابقة.
ثمة سؤال يوجه للحكومة ورئيسها، ولاسيما وزارة المالية ودائرة الدين العام فيها تحديداً، هو: ما التفسير العملي لزيادة المديونية، إن كان دعم الكهرباء قد تلاشى خلال العام الحالي، وفي وقت لم تنفق الخزينة فلسا واحدا على دعم المحروقات، كما لم توزع -لغاية الآن- أي مبالغ مالية تحت مسمى "الدعم النقدي" الذي يتوقف بتراجع أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل؟
القراءة العامة لواقع شركة الكهرباء الوطنية، والتوقعات المرتبطة بذلك، تقود إلى نتيجة يفترض أن تتمثل في عدم زيادة المديونية، أو ثباتها في أسوأ الأحوال. وبخلاف ذلك يكون الأمر بحاجة لشرح وتفسير رسميين.
بحسب الاستراتيجية السابقة، كانت الخطة تقضي بإغلاق ملف مديونية الشركة في العام 2017. لكن الأرقام والمؤشرات الحالية توجب إنهاءها قبل ذلك بكثير. ما يعني ضرورة مراجعة تلك الاستراتيجية، مع إعلانها للرأي العام.
وعلى الحكومة، ممثلة بوزارة الطاقة ووزارة المالية تحديدا، الحديث بشفافية عن التطورات الإيجابية وآثارها، سواء التطورات الخارجية، من مثل تراجع أسعار النفط عالمياً، أو التطورات الداخلية المتمثلة في استيراد الغاز، وذلك حتى يعلم المواطن حقيقة أوضاع شركة الكهرباء الوطنية الآن، وتُمحى الفكرة السائدة بأن ثمة خسائر تتحملها جرّاء دعم الكهرباء