يأخذون ولا يعطون

لم أتأخّر يوماً واحداً عن دفع ما يستحقّ عليّ من ضريبة الدخل، وكيف لي أن أتأخّر ما دمت سأدفع غرامةً مالية عالية من جراء أيّ تأخير؟!
ولم أتأخّر شهراً واحداً عن تسديد فواتير المياه والكهرباء والهاتف، وهل أستطيع التأخّر ما دام التهديد بقطع هذه الخدمات ماثلاً إن تأخّرت عن التسديد؟!
ولم أقصر مرّة واحدة في دفع مخالفات السير، وكيف لي أن أقصّر ما دام يوم تجديد الرخصة ينتظرني ويقطع عليّ طريق التقصير.
ولم أتأخّر يوماً واحداً عن دفع رسوم تجديد رخصة القيادة ورخصة المركبة التي تعود لي، وكيف لي أن أتأخّر وأنا تنتظرني غراماتٌ عن كلّ يوم تأخير؟!
ولم يمرّ عامٌ واحد من غير أن أسدّد ضريبة المسقّفات، لأنّه يترتب عليّ غرامات إضافية لقاء عدم تسديدها.
ولم أكن يوماً أملك أن أشتري عقاراً أو أبيعه من غير أن أدفع رسوماً عالية لقاء أيّ حركة بيع أو شراء، لأنّه لا يمكن أن يسجّل شيء باسمي ويصبح ملكاً لي أو لغيري ما لم أدفع، وفي الحال، جميع الرسوم المستحقة لا تنقص فلساً واحداً.
ولم يكن يوماً بإمكاني أن أشتري أيّ شيء قلّ سعره أو ارتفع من غير أن أدفع ضريبة المبيعات قبل ثمن المشتريات نفسها، إلى غير ذلك ممّا لا أستطيع حصره ممّا ندفعه لمؤسسات الدولة صباحاً ومساءً ولا نملك أن نتأخر لحظة واحدةً في دفعه كاملاً غير منقوص. وفي بعض حالات الدفع على الواحد منّا أن يأخذ إجازة من عمله من أجل أن ينجز واجبات الدفع وإجراءاته، وعليه أيضاً أن لا يتردّد لحظة واحدة في رفع آيات الشكر والتقدير للموظف أو المسؤول الذي يسهّل عليه إجراءات الدفع!!
وفي مقابل ذلك كلّه وبعد كلّ هذا الذي يدفعه المواطن من ضريبة الدخل إلى ضريبة المبيعات إلى ضريبة المسقفات إلى رسوم التراخيص إلى غير ذلك، فإنه إذا احتاج للحصول على أي من خدمات الكهرباء والماء والهاتف والطرق والمدارس والمستشفيات فإنّ عليه أن ينتظر –ومن غير سبب- أسابيع وشهوراً وربّما سنوات كي يحصل على ما يريد من تلك الحقوق. والشواهد على ذلك لا تكاد تحصى أيضاً، فعندما طلبت ساعة كهرباء مؤقتة لمنزلي الجديد استغرق الأمر نحو تسعة أشهر، مع أنه يمكن توفيرها في يوم واحد، وعندما حصلت على إذن إشغال وتقدّمت بطلب لتغيير ساعة الكهرباء من مؤقتة إلى دائمة فإنني أجد من مماطلة الموظفين منذ ثلاثة أشهر ما لا يطاق ولم أحصل على تلك الساعة إلى الآن، وعندما تقدّمت بطلب لنقل هاتفي واشتراكي في الإنترنت من المنزل القديم إلى المنزل الجديد، جاء الجواب بعدم الموافقة على الطلب لأنّ المسافة بين منزلي وبين أقرب منزل فيه هاتف أرضي تزيد قليلاً على مائة وخمسين متراً وهذا يؤدي إلى تكاليف زائدة على شركة الاتصالات، مع أن المنزل في حيّ مأهول بالمباني والسكّان.
فإذا لم يكن من حقّ المواطن أن يحصل على خدمات الكهرباء و الهاتف وغيرها، فلماذا يتقاضون منه كلّ هذه الضرائب والمدفوعات التي ذكرت؟!