بقي عام كامل من عمر مجلس النواب، ونعتقد أنه سيكملها.. ليس لأن أداءه كان ديمقراطياً تقدمياً كما هو المأمول في المؤسسات الدستورية، وإنما لأن القرار كان صبوراً في التعامل مع المجلس ومع الحكومة، وهدأ من الحالة العصبية التي تلبست المؤسستين التشريعية والتنفيذية..
لا يمكن قطع الهاوية بقفزتين. فبين الديمقراطية واللا ديمقراطية هاوية عميقة. وقطعها يتم باعداد الجسم الوطني لقوة الانتقال الحاد، وفتح الطريق وتعبيدها، وتشوّف الجهة الأخرى.. الجديدة كلياً حين نصل إليها بالقفزة الواحدة.
عبدالله الثاني كان منذ البداية رسم خطة العمل: الديمقراطية لا تهبط بمائدة من السماء، وإنما تصنعها النخبة المستعدة للمسيرة الطويلة الشاقة، والديمقراطية أسلوب حياة.. نحاول أن نقف في مرحلة الزحف على أربع، وحين نقف نحتاج إلى سند نتكيء عليه، وحين نبدأ المشي نحتاج إلى أرضٍ سهل.. وإلا تعرقلنا، وسقطنا، وتكسرت العظام.
إن مرحلية النهوض الوطني أساسية.. فلا حرق مراحل إلا بالرومانسية الثورية النظرية:
-    نضع القوانين الديمقراطية: الأحزاب، المؤسسات المنتخبة. فصل السلطات فعلياً. قانون الانتخابات والحكم المحلي، وإطارات القوى الشعبية الفاعلة.
كل ذلك تحقق أو يكاد دون تضحيات كبرى، ودون عنف او اكراه أو استخدام السلاح. رغم أن الظروف العربية المحيطة لم تكن مشجعة.
لقد استطاعت قيادة عبدالله الثاني أن تحيط مرحلة التغيير بفراش ليّن، جميل الشكل والرائحة. فعندنا فقر. نعم. لكننا نتلقاه أولاً برصد جزء من موازنة الدولة يقدم للعائلات المستحقة على شكل رواتب شهرية، وبطاقات تأمين صحي وبيوت مجانية وصل عددها بالآلاف.. دون أن تكون عبئاً على المدن المكتظة.
.. وكنا نتعامل مع الفقر والبطالة بدفع الشعب إلى الانتاج. فدون العمل لا مجال للكفاية. والدولة ليست جمعية خيرية، وإنما هي الحاضن للعقل والشجاعة والعاملين على مجد الوطن واحيائه.
الآن نشعر اننا قطعنا مرحلة يمكن ان نصفها بالجيدة، وسيكون لنا بعد الخريف القادم مجلس امة جديد، وحكومة جديدة، واذا اختار جلالة الملك ان يستعين بـ د. عبدالله النسور او اختار ان يكرّمه باعطائه بعض الراحة، فان بلدنا بحاجة الى امثال د. النسور لاكمال الاجندة الديمقراطية، فللرجل عقل هادئ واعصاب فولاذية، ومحبة كبيرة للناس، قد لا تبين ببحث السياسي عن الشعبية، لكنها حقيقة نتلمسها لمس اليد.
لا نخاف الفوضى المحيطة بنا، ولا نشعر ان مسيرتنا الديمقراطية مهددة، فجيشنا، واداراتنا الامنية قادرة على إحاطة البلد بسوار من نار لا قبل للأشرار باجتيازه، ولا قبل للفئات التي تتغدى بحقدها القديم ان تُفرّخ في ارجائه.