خطة لتقليص المديونية

لا يمكن للحكومة أن تناور في هوامش النجاح حيال ملف المديونية العامة، إن لم تتوفر لديها خطة تحظى بتوافق عام؛ لا أن يدار هذا الشأن المالي الثقيل بأسلوب التجريب والخطأ، كما جاء في تجارب كل الحكومات المتعاقبة، ومثلها الحكومة الحالية.
مقلق بالفعل أن يتخطى حجم مديونية البلاد 30 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى أن تشكل (المديونية)، بشقيها الخارجي والداخلي، وكلاهما خطير، نحو 80 % من الناتج المحلي الإجمالي، ضاربة عرض الحائط بقانون الدين العام.
ولا يجدي أن تواصل الحكومة تبرير تورم المديونية بارتفاع القروض المكفولة لشركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه، لاسيما أن العجز النقدي لشركة الكهرباء يقارب أربعة مليارات وثمانمائة مليون دولار في نهاية الثلث الأول من العام الحالي.
تقترض الحكومة، إذن، لسداد مديونيات شركة الكهرباء وسلطة المياه. وقبل ذلك كانت الحكومة نفذت كل القرارات التي مست بدخول الأردنيين على نحو مباشر وغير مباشر، ليس أقلها رفع الدعم عن أسعار المحروقات، وجعل المستهلك المحلي في مواجهة تقلبات الأسعار العالمية، ناهيك عن رفع أسعار الكهرباء وتمرير هذا القرار من خلال مجلس النواب تبعا لتوافقات لم تجد نفعا في نهاية الأمر، فعادت الحكومة للاقتراض مجددا ضمن خطر الشروط الخارجية وعبء الدين الداخلي الذي اقتربت نسبته من نصف الناتج المحلي الإجمالي.
الآن، وبعد هذا التجريب المرير، يعود مجلس النواب إلى المربع الأول عبر طرح 30 نائبا مذكرة تطالب الحكومة بتبني خطة للتعامل مع المديونية بالتنسيق مع بيت التشريع والرقابة. ومنسوب الغرابة في هذه المذكرة كبير. إذ إن الأصل في القرار السياسي والاقتصادي، وفي معظم المفاصل، أن يكون من بدايته إلى منتهاه في مجلس النواب. فإذا كان التخطيط لإدارة المديونية غائبا عن البرلمان وحكرا على الحكومة، فإن المآلات ستكون كما هي عليه أحوالنا اليوم في هذا الملف المزعج. فالحكومة تواصل التجريب، ومجلس النواب يبرر لها القرارات المساندة لتجريبها هذا. والمحصلة: فشل عام يمس الجميع، يتلقفه في النهاية المستهلك الأردني.
بعد كل هذا التجريب، لا بأس أن ينتقل عبء الإدارة والتخطيط للمديونية من يد الحكومة إلى أيد أخرى، بشكل تشاركي، وفي مقدمتها مؤسسات دستورية كان حريا بها أن تكون شريكة في الحياة الاقتصادية وأعبائها وتداعياتها المالية، لا أن تُمارس دور المتفرج لسنوات مديدة، ثم تحاول في لحظة متأخرة اللحاق بالقطار بعد وقت من انطلاقه.
وصفت مؤسسات دولية، في مقدمتها صندوق النقد الدولي، العام 2015 بأنه عام الذروة بالنسبة للمديونية الأردنية. والمأمول أن يكون هذا الوصف بمثابة سقف الارتفاع في ديون المملكة الخارجية والداخلية، عبر بناء خطة محكمة للتعامل مع الديون بطرق وأدوات تنهي الحاجة الدائمة للاقتراض، وتخلص قطاعي الكهرباء والمياه من العجز النقدي المتزايد، بعيدا عن النزيف المالي المفتوح الذي تسببت به طريقة الحكومة في إدارة المديونية.
مذكرة النواب متأخرة جدا. لكنها تسهم في إعادة الاعتبار لدور البرلمان في تحمل مسؤولياته، بعد أن كشفت التجارب الطويلة في إدارة هذا الملف المالي عن تقصير كبير بحق الدولة واقتصادها وأبنائها. والسؤال الأبرز هنا: هل كان لدينا، على مدار سنوات بل وعقود، خطة أو استراتيجية للمديونية، حتى لو فشلت؟