ضد خطاب الكراهية ومع حرية التعبير

علق الملك عبد الله الجرس محذراً من تفشي خطاب الكراهية وبث الفتنة الطائفية والمساس بالوحدة الوطنية.
ما قاله الملك في لقائه بإربد يعبر عن الغضب بسبب تنامي خطاب التحريض والكراهية بعد أن أصبح عنواناً رئيساً لما يُكتب ويُبث خاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبات ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني وحتى السلم الأهلي.
ما حذر منه الملك في حديثه كان يحدث من قبل بالأردن، نعم هذا صحيح، ولكنها ظاهرة استفحلت وتجذرت في الفيسبوك والتويتر، وأصبحت "كالنار بالهشيم" تحرق مجتمع التسامح الذي شيده الناس لمئات السنين، وتتغذى من خطاب إقصائي عشعش في الظلام، ويخرج ليبث الفوضى ويقوض قيم التسامح.
قبل ما يقارب عامين أصدر مركز حماية وحرية الصحفيين دراسة تحت عنوان "إني أكرهك ... خطاب الكراهية والطائفية في إعلام الربيع العربي" أعدها الباحث والإعلامي وليد حسني وقمت بالإشراف عليها ومراجعتها.
هذه الدراسة كانت استشعاراً لاجتياح خطاب الكراهية والطائفية للإعلام، وحذرت من توظيف الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي والاحتراب داخل المجتمعات العربية.
قلت في توطئة هذه الدراسة المهمة والتي تعد مرجعاً "الأمراض التي اجتاحت الكثير من وسائل الإعلام كالخلايا السرطانية تكاثرت وتفشت، وانتشرت، و"السوس" في الإعلام نخر العظم ووصل حتى الجذور، ولا يعرف كيف مقاومته والقضاء عليه؟!
قبل الربيع العربي كان الإعلام في غالبه مستلباً من حريته، وكان متهماً بأنه صوت الحكومات لا صوت الشعب، وكان الصحفيون المستقلون يدفعون ثمن نضالهم من أجل الاستقلالية وقول الحقيقة زجراً وسجناً وتضييقاً.
ولكن الحال والصورة العامة لم تكن لتصل الى أن يصبح الإعلام منصة للتأزيم والاحتراب، وقنبلة تهدد السلم الأهلي، اليوم بات الإعلام هو عنوان المشكلة، يصدّر للمجتمع الكراهية، ويحض على العنف والطائفية والبغضاء.
تجاوزت أزمة الإعلام قصة الاستقطاب السياسي، والتخندق، والانفلات من معايير حقوق الإنسان، والتحول في كثير من الأحيان لبندقية للإيجار، الكارثة أن وسائل الإعلام أصبحت تحشد ضد الآخر، وتُحل دمه، وتبرر الاعتداء عليه وحتى ذبحه". انتهى الاقتباس من توطئة الدراسة.
ومع تسليمنا وإدراكنا الأكيد لخطورة ما حدث ويحدث، إلا أن ذلك لا يمنعنا من التحذير من ضرورة التفريق بين حرية التعبير وجرائم خطاب الكراهية، وما نخشاه ويخشاه الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان أن تأخذنا الرغبة والنية الحسنة أحياناً من محاربة ظاهرة مجرّمة في القانون وبالمعاهدات الدولية الى تقييد حرية التعبير والإعلام وتكبيلها بقيود وقوانين جديدة ترهق حقاً يسود على كل الحقوق ولا يقبل ولا يجوز التفريط به.
ما نتحدث عنه هو ليس توجساً فقط، بل مقاربة لواقع ملموس عايشناه، فالحرب على الإرهاب التي نؤيدها نتج عنها قانون منع الإرهاب والذي تسبب ليس في محاربة الإرهابيين ومطاردتهم، وانما أيضاً لملاحقة سياسيين ونشطاء بسبب آرائهم وتوقيف وحبس بعضهم بعد أن جرت مقاضاتهم بموجب قانون منع الإرهاب الفضفاض والواسع مما أتاح العصف بحرية التعبير والاعلام.لا أعتقد أننا نحتاج قانونا جديدا لمحاربة خطاب الكراهية، فحزمة المواد القانونية الموجودة في قانون العقوبات وكذلك قانون المطبوعات والنشر كافية للملاحقة والنيل ممن يعبث بالسلم الأهلي، على أن يكون المعيار الأساسي المعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن.
وللتعامل مع هذه الظاهرة وخلق توازن بين المطالبات الحقوقية والمخاطر فإننا يمكن أن نعود للمادة 20 من العهد الدولي للحقوق السياسية، ويمكن التوسع أكثر للوصول الى تعريف أكثر انضباطاً وفك حالة الالتباس بالعودة الى مبادئ "كامدن" التي عرفت خطاب الكراهية، وبالتأكيد لا يمكن تجاهل أهم الوثائق في هذا الموضوع "خطة عمل الرباط" التي تعتبر من أفضل الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بمكافحة خطاب الكراهية.
نعم نحن ضد خطاب الكراهية والحض على الطائفية، لكننا سنبقى أبداً مع حرية التعبير والدفاع عنها ضد أي خطر.