دور الأردن في حماية المسجد الأقصى

لا تُمثّل الهجمة الإسرائيلية الحالية على الحرم القدسي جريمةً عشوائيةً وُلدت من ظروفٍ آنية. هي ترجمةٌ لسياسةٍ إسرائيليةٍ مُمنهجةٍ تستهدف تغيير الهوية العربية الإسلامية والمسيحية للقدس المحتلة.
وتعتبرُ إسرائيل الفوضى التي هدّمت دولاً عربيةً عديدةً وأوجدت أزماتٍ جديدةً دفعت القضية الفلسطينية إلى أسفل سلّم الأولويات الدولية والإقليمية، نافذةً لتنفيذ مخططاتها في القدس، ولتقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة.
في هذا السياق يُمكن تفسير إحباط إسرائيل محاولات إعادة إطلاق مفاوضات سلامٍ فاعلة. ولتحقيق هذه الغاية، تسرق المزيد من الأراضي الفلسطينية وتتوسّع في بناء المستوطنات وتخنق الاقتصاد الفلسطيني بهدف إجبار الفلسطينيين على ترك وطنهم.
يفهم الأردن السياسة الإسرائيلية جيّداً. ويتعامل معها وفق مبادئ ثابتةٍ تجهد لمنع إسرائيل من تحقيق مطامعها. لذلك تضغط المملكة لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في حسابات المجتمع الدولي. وفي الوقت الذي بات ذكر القضية الفلسطينية أمراً نادراً في الخطاب السياسي العربي والدولي المنغمس في أزمات المنطقة الجديدة، لا يغيب الوضع في الأراضي المحتلة عن أيّ قولٍ أو لقاءٍ لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي ما انفك يُذكّر العالم أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أساس التوتّر في المنطقة، وأن حله على أسسٍ تضمن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة شرطٌ رئيس لضمان الأمن والاستقرار.
يرفض الأردن الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بشكل عام. وتُظهر قراراته وسياساته حساسيةً خاصةً إزاء الاعتداءات على القدس المحتلة ومقدساتها. لكنه يتخذ خطواته وفق حساباتٍ عمليةٍ دقيقةٍ مُرادها وقف هذه الاعتداءات، وبما يحقّق الفائدة القصوى من أوراق الضغط التي يملكها.
قالها جلالة الملك أكثر من مرة: القدس خطٌّ أحمرٌ، وإمعان إسرائيل في اعتداءاتها عليها يُهدّد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، بما فيها معاهدة السلام. وسحب الأردن سفيره من إسرائيل في السابق في رسالةٍ واضحةٍ أنّه سيتخذ كل الإجراءات المتاحة أمامه للرد على عدوانها.
نجحت الدبلوماسية الأردنية العام 2014 في وقف حرب إسرائيل على المقدسات. جاء بنيامين نتنياهو إلى الأردن وتعهّد، بحضورٍ أميركي، الحفاظ على الوضع القائم للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وثمّرت الجهود الأردنية لمعالجة الأزمة الحالية موقفاً واضحاً من مجلس الأمن الدولي لم يقف عند حدّ المطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، بل اعتمد للمرة الأولى منذ 15 عاما تسمية "الحرم القدسي الشريف"، بما يعنيه ذلك من إدانةٍ لكل الإجراءات الإسرائيلية الساعية إلى تغيير هوية الأماكن المقدسة وتغيير الوضع القائم فيها.
بالطبع لن يُنهي هذا الموقف الجرائم الإسرائيلية، ولن يؤدي إلى أيّ تغييرٍ في الذهنية الإسرائيلية العدائية.
تحقيق ذلك يتطلّب ما لا يملكه الأردن وحدَه من قدراتٍ سياسيةٍ وعسكرية. فالمملكة تعمل في إطار قدراتها. في الوقت الراهن، تمثّل ممارسة الضغط السياسي المدروس الخيار المتاح الوحيد القادر على التأثير عمليّاً في مجريات الأحداث. وأظهرت الأزمات السابقة أهمية الدور الأردني وفاعليته.
ثمّة تساؤلات كثيرةٌ اليوم حول سقف التصعيد الأردني في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وإن كان سيصل حدّ سحب السفير الأردني من إسرائيل وإلغاء معاهدة السلام.
تجارب الماضي والمواقف المعلنة للأردن تُجيب عن هذه التساؤلات: سقف التصعيد الأردني هو كلّ ما يُسهم عمليّاً في حماية المملكة ومصالحها العليا، التي تشمل حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، ومساعدة الشعب الفلسطيني في الوصول إلى حقّه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.