قبل أن يلتقي أُوباما و.. بوتين!

ظروف لقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين، نهاية الشهر الجاري في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة «السبعين» للجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدو انها نضجت تماماً، ولم تعد مسارات وتعقيدات وتداعيات الازمة الاوكرانية (رغم استمرار خلافات موسكو وواشنطن حولها، ورغم مواصلة الاخيرة فرض عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا، تلك العقوبات التي رغم قساوتها، لم تُؤثر في الرؤية الاستراتيجية لروسيا ولم تُسهم حتى في دفع الرئيس الروسي للتراجع عن الخطوات التي اتخذها على اكثر من صعيد، كان آخرها واكثرها دراماتيكية في سوريا)..
لم تعد تلك الأزمة (الاوكرانية) تحول دون لقاء كهذا، بعد ان نزل الطرف الاميركي عن الشجرة العالية التي صعدها (سورِيّاً) واقتنع، بأن ادارته للأزمة هناك وتدخله السافر قد فشلا، مُسجِلة اخفاقاً جديداً، للنفوذ الاميركي الآخذ بالتراجع في المنطقة.
ليس أدل على نضوج ظروف القمة العتيدة هذه، من المباحثات العسكرية (الهاتفية) التي جرت بين وزيري الدفاع الاميركي والروسي بعد ان «كانا» في قطيعة على خلفية الاحداث في اوكرانيا وتجميد موسكو لأي تدريبات عسكرية مشتركة او على مستوى الاطلسي، بما في ذلك سحب المندوب الروسي لدى الناتو في بروكسل، فضلاً عن التصريحات «المُثيرة» التي يواصل رئيس الدبلوماسية الاميركي جون كيري اطلاقها في شكل لافت، يشي بأن ثمة رغبة اميركية محمومة في «التقاط» الدعوة الروسية وعدم السماح بتفويت الفرصة التي تتيحها دعوة كهذه، تنهض في الاساس على عدم سقوط احد من الطرفين في وهدة المواجهة العسكرية في الاجواء السورية، حيث تتواجد اسرابهما الجوية، فضلاً عن دعوة موسكو الى اعادة تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الارهاب على أسس جديدة وقانونية تلحظ في الدرجة الأولى الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وسيادة الدول الأعضاء، الأمر الذي يستوجب بالتالي اشراك الجيش السوري في هذا التحالف، بما هو أكثر القوى فاعلية وقوة على الأراضي السورية، في محاربة داعش..
.. هل قلنا جون كيري؟
نعم.. فالرجل الذي كان قد :»بشّرنا» بداية الشهر الجاري، بأن «دولاً في الشرق الاوسط ستُرسل في (الوقت المناسب) قوات برية الى سوريا لقتال داعش» قائلاً: انه «مقتنع» بأنهم سيكونون «هناك» عندما يحين الوقت المناسب» جازماً بأن القوات الاميركية «لن تكون جزءاً من المعادلة, وانه ليس هناك اي مشروع لتغيير هذه الامر».. يبدو أنه قد تراجع وبلع لسانه, بعد أن تَغيّرت قواعد اللعبة القديمة، التي حاول الاميركيون وحلفاؤهم في الاقليم تكريسها في مشهد المنطقة, بعد أندلاع الازمة السورية, بدليل انه لم يعد يُكرِّر مثل هذه العبارة الغامضة بل والمحمولة على نزعة عنصرية واستعمارية واستعلائية، ترى في حياة الجندي الاميركي «قداسة» كما يستبطن تصريحه الذي هو الان بلا رصيد, حيث تقول الانباء: ان البيت الابيض «اقتنع» بأن ما يُرى من البيت الابيض, لا يُرى من ساحات المعارك المشتعلة في سوريا, الامر الذي يفرض اعادة قراءة اميركية لمجمل المشهد الاقليمي، والتراجع عن كل الاوهام والخزعبلات والخطط الاستعمارية التي سعى الامبرياليون، فرضها على المنطقة العربية.. بل ثمة انباء (لم تتأكد بعد) تتحدث عن امكانية ارسال قوات «برّية» اميركية روسية، لمحاربة داعش والاجهاز على مراكز «دولتها».
في السطر الاخير... لم تعد مسألة «دور» الرئيس السوري في المرحلة المقبلة (دع عنك حكاية تسميتها بالمرحلة الانتقالية) ذات اهمية في «دفتر الشروط» الاميركية, تلك الشروط التي باتت خلفنا, وما تكرار اسطوانة: أن لا دور للأسد أو لن يبقى الا لفترة محدودة, سوى محاولة لتحسين شروط التفاوض مع موسكو والحصول على اقصى ما يمكن من مكاسب بل الأدق القول التقليل - ما أمكن - من الخسائر الفادحة التي لحقت بالمشروع الاميركي المدعوم اقليمياً لاعادة رسم خرائط المنطقة واقفال بعض الملفات او الطمس عليها وخصوصاً في مستقبل القضية الفلسطينية، وتداعيات اكتشافات غاز المتوسط ومشروعات انابيب النفط والغاز التي تصب في موانئ البحر المتوسط، والتي كانت - ضمن أهداف اخرى - جزءاً من المؤامرة التي استهدفت سوريا، وما يزال «البعض» الذي استمرأ العيش في بحور من الاوهام والرؤى المريضة, يراهن على امكانية نجاحها!!
هل تنجح قمة اوباما بوتين، في اعادة تدوير «زوايا» الازمة السورية؟
الايام القريبة.. ستخبرنا.