حقل الألغام الذي أصبح واحة ..!
أخبار البلد - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
يومان؛ أو أقل قليلا، مضيا ثقيلان على جسدي، فوخزات آلام الظهر أصبحت أقل أوجاعي، بعد أن لفحت وجهي حرارة ومناظر و»محاضر» أشد إيلاما وأعقد وصفا، لكنني شعرت بتحسن حين قررت «عزل» مشاعري بالألم عن مشاعري بجماليات العمل الاستثماري حين ينطلق من مفاهيم وطنية سامية، ويصبح إنجازا بحجم قصة نجاح في مكان وزمان مستحيلين..كيف حدث هذا؟ سؤال لن أنتظره إلا بعد أن أجيب عليه، عندئذ لا أستغرب لو قامت تلك الصحفية المجرية التي ركلت اللاجيء السوري مدرب كرة القدم «أسامة عبدالمحسن» بتوجيه السؤال لي، وقالت كلاما لا مهنيا ولا صحفيا : كيف شعرت بالتحسن ؟ أنا متطرفة وعنصرية و أؤيد «العزل» .. لن أنتظر سؤالا من أحد، واقول:
حين تجولنا في واحة كانت قبل أعوام مجرد حقل ألغام، بدأت أستعيد وهج العصف الذهني «التطبيقي» الذي داهمني حين تجولت قبل عامين في المكان ذاته مع الصديق نفسه، قائد المراسم «سهل دودين» ، وكان يحدثني عن هذا البحر الذي استطالت سواحله، فتمددت 17 كيلو مترا إضافيا، وعن بحيرات الماء، الماء الذي تم تفسيره بغير جهد بماء ولا كهرباء، بل بطاقة شمسية كاملة، كان من الممكن أن تكلف 3000 دينار يوميا، لولا نجاحهم في استخدام الشمس في تحفيز الماء، ليقفز تلك القفزة «الأوكروباتية»، فيحيي أرضا كانت قنبلة، لتصبح واحة اسمها «أيلة».. بدأت أشعر بالألفة والتحسن، وتدفقت «نستاليجيا» الزمن الجميل، فارتعش قلبي بلذة: ما أجمل أن نرى مالا أردنيا وعقولا أردنية يتحالفان لتدشين قصص نجاح على هذا المستوى..
بعد غداء بحري في مطعم «روميرو» يعرف الصديق نبيل غيشان رأيي فيه، حضر إلى الفندق صديقي؛زميلي العسكري القديم، المدير التنفيذي لمشروع «أيلة» المهندس سهل دودين، وكان يجلس في اللوبي وحين وصلت قال : ثلاثون عاما مضت على ذكريات معسكرات سلاح الهندسة، ويبدو أن سهل يزعم بأنه هجر السلاح منذ ذلك الوقت، لكنه لم يفعل على الإطلاق، لأن سلاح الهندسة هو الذي أشرف على إزالة كل الألغام (70 ألف لغم) من أرض مشروع واحة «أيلة»، فهو لم ينقطع عن التواصل مع هذا السلاح المهني العسكري المحترف ..يا بخته .
تبادلت مع دودين حديثا إذاعيا، قال فيه كثيرا عن قصة النجاح لهذا المشروع، سألته عن رأس مال المشروع وعن الكفاءات الأردنية التي أشرفت عليه، وكذلك عن الجانب التقني المستخدم فيه، وعن الخبرة الأردنية النوعية الجديدة المنبثقة عن تدشين مشروع بهذا الحجم والمواصفات، وهي معلومات مدعومة برأي مهني حين يتحدث عنها مهندس كسهل، لكن الكلام السهل والصعب ليس من طرف واحد، فهناك آراء صحفية سجلتها قبل لقائي بسهل، تحدث فيها الزملاء خالد الزبيدي وسلامة الدرعاوي اقتصاديا، وتحدث الزميل محمد قدري حسن برأي رياضي عن ملعب الغولف، كما تحدث الزميل هاني البدري عن الدور الاعلامي في الحديث عن مثل هذه المشاريع الأردنية الناجحة..الحديث سيتم بثه عبر إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية قريبا.
ثم أصبحت اللذة دهشة محببة، حين جلسنا في مؤتمر صحفي، لنتفاجأ بوجود رجل الأعمال الأردني صبيح المصري يدخل قاعة المؤتمر، ليحدثنا بكلام جميل حول قصة خدمة الوطن بطريقة تضمن تحقيق النجاح للمستثمر وللوطن وأبنائه.. تواضع الرجل أدهشني، فقلت لمهند الصفدي : تخيل لو أنني أملك ما يملك الرجل من مال، هل تراني سأكون بمثل هذا التواضع؟! .. سبحان الله الخبير الحكيم.
لا أملك أية شقة في أي مكان من الكوكب، ولا يمكنني أن أحلم بشقة في واحة أيلة، وهذا ليس عيبا، العيب أن أكون أملك ثمن شقة في واحة أيلة ولا أشتريها، فهي في غضون سنوات ستصبح بسعر مضاعف لو فكرت بطريقة استثمارية..
حين أفكر كمستثمر، أشعر بأن كل الأسواق عندئذ «ممكنة»، وسهلة ممتنعة كسوق المطار الحرة، ويكون المال إنسانيا أردنيا حين يستثمر في الأردن وينشر البركة والخير في الأرض الأردنية الغالية.