الكتابة في الشأن العام

تأخذ الكتابة في الشأن العام أبعادا اجتماعية وقانونية جديدة، بعد أن تحولت إلى ساحة عامة مفتوحة لكل شخص على قدم المساواة. وفي ذلك تنشأ متوالية من التحولات والقضايا الجديدة التي تحتاج إلى توقف طويل ومعقد، يشارك فيه كل المواطنين كما المختصون.
الكتابة في الشأن العام في منبر عام يفترض أنها مشاركة عامة، يقدمها مواطن مقابل أجر، مثل الوظيفة العامة؛ أو أنها عمل رسالي تطوعي، بحيث يعتقد صاحبه أن واجبه يقتضي المشاركة في الكتابة؛ أو هي استجابة لنوازع الكتابة والتعبير والتواصل. ويبدو، حتى الآن، صعبا أو غير واضح كيف يمكن تنظيم عمليات الكتابة والتواصل قانونيا وأخلاقيا.
فاليوم، يمكن لأي شخص أن ينشر ما يشاء. ويمكن، بتكاليف قليلة أو من دون تكاليف، إطلاق حملات دعاية وتشهير وإساءة، وتسويق ودعوة وتبشير، وتجنيد وحشد، على نطاق واسع وبكل لغات العالم؛ وفي حداثة التجربة، كما في آفاقها الواسعة وغير المحدودة.
يفترض أن يبذل الكاتب جهدا معرفيا ليقدم ما يعتقد أنه يضيف أو يغير إيجابيا. كما يُفترض به أن يحيّد مواقفه ومصالحه الشخصية أو الفردية؛ فوسائل الإعلام العامة ليست شخصية. وقد أتاحت الشبكية (الإنترنت) المجال واسعا للأفكار والخواطر الشخصية، أو للتسويق والدعاية. ويمكن لأي أحد أن يقدم من خلالها ما يرغب في أن يعبر عنه.
والقارئ باعتباره مواطنا مشاركا أو مستهلكا، كما حَكما في الوقت نفسه، للمادة الإعلامية، له حقوق وعليه واجبات أيضا: أن يبحث ويتطلع إلى مستوى فكري ولغوي ومعرفي وسلوكي أفضل، وأن يرتقي بقدراته المعرفية ليتمكن من الفهم والمشاركة بمستوى أفضل، كما أن يحاكم ما ينشر على هذه الأسس. وبذلك، فإن القارئ سوف يرتقي بجودة ومستوى ما يتلقاه ويستهلكه من المحتوى الإعلامي.
لم يعد القارئ متلقيا سلبيا، بل هو مشارك ومتفاعل كذلك، ومساهم أيضا في حكمه وتفاعله على الشبكة. إذ هو قادر على تسويق ما يبث وينشر أو إجباره على الانحسار. بل إن أفرادا ومؤسسات بدأت تستثمر وتجني ثروات قائمة على مستوى زوار المواقع الإلكترونية، ومشاركة القراء وتفاعلهم.
لم يعد مدخل الإصلاح والمواجهة هو الدعوة إلى الانضباط في النشر والارتقاء بمستواه. وسوف يؤدي التنظيم القانوني والتقني إلى التضحية بكثير من مكتسبات الشبكة وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، هذا إن كان ذلك فاعلا أو حاسما. وليس ثمة فكرة مرجحة للمواجهة والارتقاء سوى أن ينهض القارئ نفسه، وكل مواطن بالتعامل الإيجابي مع شبكات التواصل، قبل أن تتحول الشبكة إلى أداة لاتجاهين يضران بالأفراد والمجتمعات ومكاسبهم؛ أي الإساءة أو الضبط والملاحقة الأمنية والقضائية.
ثمة الكثير مما يمكن التفكير فيه وعمله لتطوير العمل الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي والإعلامي من خلال الشبكة، وتحويلها إلى مورد اقتصادي واجتماعي لزيادة الموارد والتأثير الإيجابي. والواقع أن الكرة في مرمى المواطنين أنفسهم؛ أفرادا ومجتمعات.