النواب يخالفون التوقعات

باستثناء بعض التسديدات الطائشة، كان أداء مجلس النواب أول من أمس، قويا وممتعا. الجلسة المسائية التي خصصت لمناقشة مشروع قانون الانتخاب، وانتهت بموافقة الأغلبية على إحالته للجنة القانونية، هي في نظري جلسة تاريخية، أظهر فيها النواب أفضل ما عندهم من قدرات، وتصرفوا بمسؤولية عالية حيال مسألة وطنية حساسة.
نقاش مفتوح امتد لساعات، شارك فيه معظم أعضاء المجلس وممثلو الكتل. مداخلات في العمق، طالت كل جوانب القانون ومواده. وطرحت عديد الملاحظات والمقترحات المهمة والعملية.
أظهرت النقاشات تحولا مهما في موقف النواب، تمثل في تجاوز الأغلبية لنظام "الصوت الواحد المجزوء" الذي لم يجد من يؤبنه بعد أن دفنه مشروع القانون الجديد. المداخلات والنقاشات انصبت كلها على النظام المقترح؛ نظام التمثيل النسبي، وسبل تطويره في القانون. وهذه قفزة كبيرة في الوعي النيابي، تسجل لنواب فازوا بنظام "الصوت الواحد"، لكنهم استجابوا لحاجات التغيير وضرورات الإصلاح السياسي.
اللحظة على المستوى الوطني فريدة؛ فهي المرة الأولى التي تلتقي فيها إرادة مؤسسات الدولة والمجتمع كافة على خطوة إصلاحية بمستوى قانون الانتخاب، كانت على الدوام محل انقسام وخلاف، وعقبة أعاقت تطور الحياة السياسية. ولحظة التوافق هذه يمكن البناء عليها في مسارات أخرى ما تزال بحاجة إلى إصلاح وتطوير، لا يبدوان في متناول اليد من دون تفاهمات مع أوسع القوى الاجتماعية والسياسية.
وسجلت في الجلسة مواقف تقدمية لافتة من نواب يمثلون مختلف الاتجاهات. نائب مخضرم بوزن عبد الكريم الدغمي، حرص على أن لا يكون متناقضا مع نفسه، عندما قال إن القانون المقترح هو من صلب مقترح لجنة الحوار الوطني التي كان أحد اعضائها، وخالفها الرأي في حينه، داعيا إلى تعديلات على القانون. رئيس مجلس النواب السابق، ونائب البادية الشمالية سعد هايل السرور، لم يتردد في طرح اقتراح جريء؛ بفتح دوائر البدو أمام جميع المرشحين. كتلة "مبادرة" النيابية ألقت، هي الأخرى، بحزمة من المقترحات المثيرة للجدل، كمنح المغتربين حق التصويت في الخارج. وفي المقابل، لم يتحرج نائب مثل خليل عطية من توجيه الشكر للديوان الملكي والمخابرات العامة على دعمهما للقانون.
المأمول مستقبلا أن تمضي المناقشات حول مشروع القانون بنفس السوية. وتلك مسؤولية تقع على عاتق اللجنة القانونية في مجلس النواب من جهة، وعلى الحكومة من جهة أخرى.
شهران وأكثر يفصلان عن موعد الدورة البرلمانية المقبلة، تستطيع خلالهما اللجنة النيابية أن تدير حوارات مع جميع الفعاليات الوطنية. لكن من المهم أن لا يكون حوارا من نقطة الصفر، وإنما للبناء على ما وصل إليه مشروع القانون، وإدخال التحسينات الممكنة على النظام المقترح، وليس نسفه مثلما يأمل البعض.
الحكومة من جهتها، ممثلة بوزير الشؤون السياسية، مهندس القانون الجديد د. خالد الكلالدة، شرعت منذ إعلان القانون، بحوارات سياسية مع مكونات سياسية وحزبية، لشرح النظام الانتخابي وحشد التأييد له. ينبغي الاستمرار في هذا الجهد، والانتقال إلى المحافظات، للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، ووضع القوى الفاعلة هناك في صورة مزايا القانون الجديد.
لقد غامر رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة، عندما فتح باب الحوار على مصراعيه في جلسة أول من أمس، فكانت مباراة تكتيكية من طراز رفيع.