هل يحكمنا مجتمع “فيسبوك”؟!

هذا سؤال يفرض نفسه، لاسيما الآن، مع السطوة الكبيرة التي نستشعرها لمن يقطنون عالم مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا يحللون الأحداث فحسب، بل ويصدرون الأحكام القطعية؛ من الانتقاد والسخرية بحق من يخالفهم، وصولاً إلى التحشيد ضده واغتياله معنوياً! ولكأن هؤلاء "سلطة” فوق كل سلطة وقانون!
فهل يمكن أن يتحكم فينا مجتمع "فيسبوك”؛ حينما يسيّر هذا المجتمع الصغير غير واضح المعالم، حياتنا وقضايانا، فيقودنا إلى حيث يريد، بأن يصبح أداة مؤثرة على قراراتنا وأفكارنا وحتى معتقداتنا وسلوكياتنا، بما يسمح بالتالي بدخولنا عنوة مرحلة جديدة ربما تكون خطيرة على مجتمعنا الذي يفترض أن ضوابط وقوانين وأنظمة حقيقية، وليس افتراضية، هي ما يحكمه؟!
قبل ذلك، لا بد من السؤال: هل يمثل مجتمع التواصل "الافتراضي”، مجتمعنا الحقيقي فعلاً؟!
الإجابة الأقرب للواقع والمنطق هي: لا! لكن حين تتغير كل آرائنا خضوعاً لـ”حكم” مجتمع "فيسبوك” وسواه من مواقع تواصل أخرى، فتتكون قناعاتنا عبر مسح سريع لآراء المجتمع الافتراضي، عندها نصبح فعلاً تابعين له، نتبنى كل حكم يخرج عن طريقه!
ويتساءل البعض أحيانا: هل يعقل أن يكون مجتمع "فيسبوك” على خطأ، وأنا فقط على صواب؟! ليعود ادراجه مندمجا مع عالمه الافتراضي، متأثرا بآرائه ومنقادا لأهوائه!
المجتمع الجديد، تحديدا على "فيسبوك”، فيه الكثير من التعليقات والكتابات التي تحث على الكراهية والتحريض الديني والحقد والضغينة والسخرية والتطرف، والإساءة المقصودة، لدرجة نتساءل معها: هل هؤلاء هم ذاتهم الذين نعيش معهم في العالم الحقيقي والفعلي؟!
إلى أي مدى سنبقى في الجانب المظلم تحديداً من هذا العالم، فليس كله مظلما حتماً؛ حيث التدخل في أدق تفاصيل حياة الغير، والطعن بأعراض البشر، والابتعاد عن كل ما له علاقة بالأخلاق والقيم المجتمعية، والأحكام المسبقة على الآخرين، والتشهير بالشخصيات، والتعليقات التي تغتال معنويا، ناهيك عن انتشار السلبية وأحيانا "العدمية”؟!
لم نكن هكذا! هذا المكان يكشف لنا الحجاب عن بيئة استثنائية بسلبيتها، غريبة عنا، مختلفة بشخوصها، ممن ذهبوا بأفكارهم وتطرفهم إلى منحى آخر. حينما نقرأ ونتابع نصاب بالإحباط مما وصلنا اليه، فنسأل: من هؤلاء؟! هل هم حقيقيون أم وهميون؟! هل يفكرون بمدى الألم الذي قد تسببوا فيه لغيرهم في عالم يحتفظ بـ”اللحظة” مدى الحياة؟!
أصبحنا مجتمعا يستهلك "المعلومات” أولا بأول، يتفنن كثيرون بيننا بنشر الاشاعات، ويتسابقون أن يكون كل منهم أول من ينشرها بغض النظر عن صدقها أو كذبها، باعتبار أن هذا هو الإعلام "البديل”!
قالت لي صديقة يوما ما: إن أردت التحقق من معلومة ما أفتح صفحتي على "فيسبوك”. فإن كانت الغالبية قد نشرت عنه وعلقت عليه، تأكدت من صحته؛ فهو معياري الآن!
وصديقتي ليس الوحيدة أو ضمن مجموعة تمثل استثناء على القاعدة، بل كثيرون ينجرون وراء هذا الأمر، باعتبار مواقع التواصل الاجتماعي البوابة الحقيقية والوحيدة لأي خبر ينشر.
لكن بغياب الضوابط الذاتية، الإنسانية الأخلاقية، قبل القانونية، يغدو السؤال الأهم: إلى أين سيأخذنا هذا العالم الافتراضي على أرض الواقع؛ الى المعلوم أم المجهول؟ سنرى ونتابع فنحن لا نملك سوى المراقبة من بعيد طالما لا نبادر، رسميا وشعبياً، إلى تحريك ساكن.. وليس ثمة ساكن في الواقع أبداً.