رأس السنة العبرية: كل عام وأنتم قتلة!

اليوم هو رأس السنة العبرية، لا يعني هذا «الرأس» كثيرين في بلادنا العربية والإسلامية، ولا يعنيني أنا أيضا، ولكنه مناسبة لي أن أنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، خلافا للكثيرين، هي محاولة غير بائسة بالتأكيد لإيقاد شمعة، في جو عاصف! «الدولة» التي احتلت دولة أخرى، وجلست فوق أبنائها، احتفلت بعيدها الـ 67 قبل أيام قليلة، وها هي تحتفل بسنتها العبرية الـ 48 لاحتلالها بقية الأراضي التي لم تحتلها في حرب «الاستقلال» كما تسميها! لن أنزلق للعبة الأرقام، لكن الاحتلال أمِل أن يقضي على شعب فلسطين، ولو بالمعنى المجازي، لم يُبْقِ أسلوبا من أساليب الإبادة المعنوية والحسية إلا وارتكبها، على أمل أن يطفئ جذوة الشعور الوطني، ومسح كل ما يختزنه العقل الجمعي الفلسطيني من عناصر مشتركة، سواء كان في «داخل» فلسطين أو في الشتات، ساعده في ذلك، منظومة متكاملة من التواطؤات والمساعدات العربية والأجنبية، كل حسب «استطاعته»! لم يُمْحَ اسم فلسطين من قواميس اللغات الحية، الخطوة الرمزية برفع علم «فلسطين» في الأمم المتحدة، قد لا تعنى شيئا على الأرض، لكنها شاهد على فشل «إسرائيل» ومن أمَدّها ولمّا يزل بأسباب القوة، عمليا ليس هناك «دولة» تسمى فلسطين، بالمعنى الحقيقي للدولة، لكن الفلسطيني يحمل «دولته» في صدره حيثما حل، سواء كان تحت الاحتلال المباشر، أو في الشتات، وهكذا تحولت «الدولة» من كيان سياسي يمكن القضاء عليه، إلى كيان وجداني، لا تطاله أيدي الأعداء!. لا يوجد على الأرض -الآن- من يناجز «بني إسرائيل» بالمعنى التاريخي والديني والوطني، إلا الفلسطيني، ثمة حالة «احتضان» كاملة لـ «الوطن القومي لليهود» من الجميع في هذا العالم، وحده الفلسطيني من يقض مضاجع «اليهود» خاصة الصهاينة منهم، في الأقصى مثلا، الصورة اليوم في غاية الوضوح: فلسطينيون عزل يقاومون كل أساليب التهويد والتقسيم الزماني والمكاني بأجسادهم، رجالا ونساء، شيبا وشبانا، أطفالا وراشدين، وهم لا ينتظرون عونا من أحد، ليس لأنهم يزهدون بالمعونة، بل لأن «لا أحد» هو من يعنيهم، فيما تلهج ألسنتهم بمقولة بلال الخالدة: أحدٌ أحد، وهم يُعذّبون في رمضاء العرب والعجم، لكأن الله عز وجل «أكرم» الفلسطيني بهذا «الواجب المقدس» فخصه دون غيره بمقاومة هذه «العصابة» الفاسدة!. من المفارقات التي لاحظها كتاب عبريون، تبادل اليهودي والفلسطيني الأدوار فيما يخص ثنائية داود وجوليات، فداود اليهودي الضعيف صاحب الحق، أصبح فلسطينيا، وجوليات الفلسطيني المتجبر الظالم أصبح يهوديا، والغلبة –في النهاية- كانت في «العهد القديم» لداود!. تحت الاحتلال، تكفلت صهيونيتهم بكل أشكال القمع والتهميش والملاحقة والظلم لمناوئيهم، وخارج الاحتلال، تكفل «الآخرون» بمحاولة إبقاء الفلسطيني في حالة لهاث وخوف وعدم استقرار، (بل .. ملاحقة واتهام) يذود عن حياض أسرته الصغيرة، ليُعلّم الأولاد، ويجنبهم شرور «سوء التغذية» والأنيميا الوطنية، أملا في أن يشغله هذا عن مهوى الفؤاد، وقِبلة الوجدان، ولكن دون فائدة.. ألم نقل أنه يحمل وطنه في صدره؟ رأس سنة عبرية أخرى، نقول لهم: كل عام وأنتم قتلة، ونقرأ مع شاعرهم، يعكوف جلعاد: «إنك لا تريد أن تكون هناك مطلقاً. إذن، ما العمل، أحد لم يسألك ما الذي جاء بك إلى هنا. لكن، عندما تكبر ويكون لك ولد، ويسألك هذا الولد: ماذا أفعل عندما أصبح شاباً؟ ستقول له: غادر هذه البلاد، ولا تسأل أحداً».