عندما يصنع عدونا لنا (الابطال)
عندما يصنع عدونا لنا (الأبطال)
يبدو أن عدونا قد أتقن فهم العقلية العربية قبل أن يفهمها أصحابها نفسهم، فالعالم الغربي ومراكز الفكر المحركة لإستراتيجية التعامل مع الشرق الأوسط تعتمد بالدرجة الأولى على مجموعة من المفكرين والباحثين وعلماء النفس في تحديد هذه الكيفية واستغلالها للصالح الغربي وحاشيته من السماسرة الإقليمين والشعوبيين.
بالتالي فأن المخططات الدخيلة والفعالة على الأرض العربية هي وليدة بروتوكولات وتراكمات لتوصيات وأفكار مقترحة للمفكرين المستشرقين المختصين بالحالة العربية ومنذ أمد طويل والتي ربما تقاطعت مع أجندات ومرئيات من أطراف محلية وإقليمية لها مصالحها الخاصة لينتهي بالتالي بمصير معظم الأحداث في المنطقة العربية إلى التدفق بالحالة السائبة المعدومة الاتجاهات وبحيث يتخلل حركتها فتح مسارات وإغلاق أخرى بوجهها لتصبح عملية تشتيت وتفكيك الشرق الأوسط عملية أوتوماتيكية تسيرها الأطراف الخارجية وبأيدي داخلية بعيدة ربما عن إدراك الأهداف الفعلية للتوجيه عن بعد، حيث تعمل هذه المؤثرات والأطراف على خلق أحداث وتسيير نتائجها نحو تبييض جهات وشخوص وإسقاط أخرى ومن خلال منظومة قواعد يتم تطويرها وإعادة تأهيلها حسب المواصفات الغربية.. فيما لا نملك نحن سوى وضعية الاستهلاك المباشر لمحفزات ونتائج هذه المنظومة .
إن المواصفات الخاصة بالفكر العربي العام بالحالة الطبيعية تملك مفاتيح ومحفزات ذو طبيعة مختلفة عن الفكر (الآخر) وذلك بحكم خصوصية التراث ونسبة تواتر التجديد، وبالتالي تتميز أدوات صقل الشخصية العربية بالارتباط العضوي بالتاريخ وشخوصه ورموزه مما أنتج فكرا عربيا يتمحور حول هيكل أساسي حامل له ومبني من متلازمة (الإسلام والعروبة) ومسيطر عليه بالغالب مركزيا بواسطة الرموز والنخب التي تحاول أن تكتسب صفة (البطولة) بالعادة.. وهذا ما فهمه (الآخر) قبل أن نفهمه نحن.
ومع أن هذا الهيكل تميز بالمواصفات الإبداعية نتيجة صلاحية العقيدة الأبدية وارتباطها الروحي بالعروبة.. إلا أن أصحاب المصالح الشخصية والأهداف الضيقة سارعوا إلى استغلال التمترس الديني والقومي بأنصاف الأفكار للاستيلاء على حق التجديد والتنوير التي كانت مفترضة على الكسوة لتتشكل هذه الشخصية العامة حديثا بالشكل الساذج أحيانا وبفعل التلقين والتأزيم وطرح البدائل المخدرة ولتكون متعلقة بالحالة الآنية للأحداث وبمركزية قرارها ومصيرها، وهذا ما التقطه الطامعون في اقتناص الفرص لمحاولة إنشاء مجتمع هش ينظر لتاريخه بشغف وينظر إلى مستقبله بقرف وينتظر الخلاص من نخب أخطرها ربما مطروحة على شكل رموزا وسادة (للمقاومة).
هذا الفكر العربي الفاقد لهويته منذ أكثر قرن والمتنقل بين الهياكل الأخرى بحثا عن مفاتيح لقضايا أبوابها وهمية هو سببها..أدى إلى نشوء نخب مزورة، وساعد في ظهورها وانتفاخ حجمها مراكز الفكر الغربية التي ساهمت في إنشاء هذه النخب وبطرق مباشرة وغير مباشرة حيث لجأت إلى محاربتها صوريا لتلميعها وعملت على المحافظة عليها دون إدراك أحيانا من هذه الطفيليات المتعلقة بالمشاريع الخاصة بها والتي لاقت فرصا للدخول إلى فكر العامة من خلال تجارة المواقف، ذلك أدى أحيانا إلى تعلق المجتمعات الشبابية والنخب المستجدة بأي رمز يملك بعضا من البربوغندا.. ليتم احتواءها وضمان حياديتها على الأقل ببعض الحركات الاستعراضية.. فتمشي خلفه بدون معرفة الاتجاه الحقيقي لتقوم هذه الرموز والنخب بالتالي بسحب الأوطان إلى الجحيم خاصة بعد امتصاص فرض العين الملزوم علينا جميعا باتجاه فرض الكفاية المنوط (بالأبطال) المزورين حيث ينحصر لاحقا دور الشعوب صاحبة المصلحة بالتغيير والتحرير برفع صور هذه (الأبطال) فقط.
أن قضيتنا الكبرى كشعوب لها همها الوطني أصبحت تنتظر الحلول من هذه الشخوص.. وهناك من فهم اللعبة فعمل على المتاجرة بالصراعات الإقليمية دون تحديد عقدة الصراع والولوج فيها، بل انحصرت مصلحته الكامنة في إبقاء هذا الصراع بعبعا لشعوبها وللمنطقة، وذلك نراه واضحا وجليا في اللعبة اللبنانية وأبطال الصراع الكرتونية من (حزب الله)، وكذلك في الحالة السورية والتي أصبح فيها تحرير الجولان من العدو الصهيوني يمر من خلال تحرير درعا وحمص والزبداني واللاذقية من شعوبها المقهورة منذ واحد وأربعون عاما.. والمقرف في الموضوع أن هذا التحرير يتم بواسطة مرتزقة الباسيج الإيرانية التي هبت لنجدة الحكم باسم (الصمود والتصدي).
إن (أبطال) المرحلة المطبوعة صورهم على قمصان أولاد الشام رمزا (للصمود والتصدي)هم نفس الجلاوزة الذين قاموا بقتل أكثر من خمسة وعشرين ألف شهيد في مخيم تل الزعتر وأكثر من سبعة عشر ألف شهيد في حماة وألف مائتين شهيد في ساعة واحدة في تدمر.. وهم نفسهم من انسحب من مشّغرة وجزين والبقاع الغربي عام 1982 وسقطت بيروت بيد (شارون) بانسحابهم الصامت دون أي رصاصة.
ومن يقود ويحتكر (المقاومة) هم نفس (الأبطال) والشخوص المعلقة صورهم على أوكار الخلايا النائمة في بيروت والبحرين والكويت واليمن.. وهم من قاموا بمذابح الجبل في بيروت وراح ضحيتها أكثر من ثمانية عشر ألف شهيد من أبناء المخيمات وبرصاص حركة أمل (الأم الشرعية لحزب الله)، وهم نفسهم من تغولوا على لبنان باسم المقاومة بعد تسليم الجنوبي اللبناني للقوات الدولية لحماية (إسرائيل) وهم نفس (الأبطال) الذين قتلوا الحريري.
هم نفس الأشكال والصور الذي أتقنوا رسم الذقون لتناسب المرحلة ونوع التجارة في غزة وهم الذين سحلوا أبناء غزة باسم المقاومة وقتلوا في يوم واحد أكثر من مائة وعشرين شابا من أبناء غزة وليفرشوا الأرض بعدها بردا وسلاما ( لإسرائيل) ويقفلون باب جهنم عنهم.
وأصحاب العمائم السوداء والقلوب السوداء الذين يسومون أبناء المحمرة العربية العذاب..هم (أبطال) المرحلة الذين ترفع صورهم في ساحات الفوضى في البحرين العربية ويرسلون الجواسيس لشوارع الكويت ويمدون السلاح للحوثيين في اليمن..
وعند تزاحم (الأبطال) على ما تبقى من كيان لنا..ما زلنا هنا تنتظر أي (صلاح الدين) جديد يحرر لنا (قدسنا) ونحن مستندين إلى مقاعدنا.. وتنحصر مسئوليتنا في التحكم بالريموت كنترول من (الجزيرة) لقناة (العربية).
جرير خلف