أيدلوجيتيّ الثورة والحب والمتن التأويلي بينهما في رواية "مسارات حادة جداً"

اخبار البلد


بقلم : صابرين فرعون


تستند أحداث رواية "مسارات حادة جداً" للشاعر والروائي توفيقي بلعيد لأحداث واقعية نقلت تفاصيل الاعتقال والثورة والحب ، قام بعض المعتقلين بالمعاونة على تهريبها بكل ما احتوته من نزيف الذاكرة ، والذي يختزل أوجاع الماضي المُثقل بتفاصيل الحراك النضالي ضد الاستعمار والاحتلال ونسائم الحب المجلجلة للثورة ..

يدخلنا لعوالمه السردية بديناميكية حكائية تعتمد الوصف التفسيري ، وقد وظف الخطاب الحكائي  وقد استثمر فيه المعرفة السياسية التي تمازج فيها الوصف والسرد لتأريخ النص ، فيبدأ بعتبة شيقة مفخخة كونها مرجعية وجدانية ومقاربة فلسفية تشد القارئ ، مقتبسة من قصيدة "وتريات ليلية" للشاعر مظفر النواب "ويزيدك عمق الكشف غموضاً" ، يعتمد فيها الترميز والمقابلة لتجاوز فضائيّ الرواية "الزمان والمكان" وتأجيج ذاكرة التخيل التي تجعل من طريق الكشف أكثر غموضاً كلما سرنا في دروبه .. لم يوضح معالم الكشف ونوعه برغم تعريفه بال التعريف ، حتى المفردة موغلة في عمق الغموض ، كذلك هي عوالم "سعيد الأنباري" بطل الرواية الذي يندهش هو نفسه من ملامسات ومقاربة تفاصيل الرسائل التي تجيئه بدايةً من امرأة مجهولة الهوية وتوقعه في الحيرة والتشابك العاطفي مع الواقع كلما ركن لذاكرته محاولاً سحبه من جحيم الماضي والاجتياح الحسي الذي يشد روحه لتُبصِر الواقع .. 

كما أن أ. توفيقي بلعيد يسمح للقارئ بتفكيك النص وصياغته بمفاهيمه لانتهاج التحليل والوصول للكشوفات من خلال التأمل الدلالي للبنية الخطابية وجملة المترادفات :المحادثة ، المحاكاة ، الإدراك والبصيرة للوقوف عند نقطة وجودية الإنسان وما يبقى من ذِكره الطيب بعد الموت..

يُكثر من استخدام الإحالات والهوامش على اختلافها الوظيفي " الذاتي والتاريخي" لتأكيد الموقف السردي من خلال أُطرٍ زمنيةٍ ثانويةٍ ، مُؤرَخٌ لها ، مثل : القضية الفلسطينية ، بعض أحداث صبرا وشاتيلا ، حرب أكتوبر ، وأيلول الأسود "من هنا جاء عنوان الرواية بحسب مساراتها" ، وبأفق زمني رئيسي وهو فترة الاعتقال وما بعده "1972-2012م"  ، معتمداً تقنية الاسترجاع الفني تأصيلاً للفعل السردي والتداخل الزمني ، على مدار أربعين عاماً كانت الرواية بشخوصها وأحداثها الرمزية هي التي تتحكم بزمام الكتابة عنها ، تكور جنينها "فكرتها" حين كان كاتبها شاباً في مقتبل العمر ، يفيض أحلاماً بالتغيير المجتمعي وانخراط المرأة إلى جانب الرجل في العمل الوطني كما الثنائيان رجاء وصامد  ، ثريا وسعيد ..

يردم أ. بلعيد جدار القهر والخوف لدى المرأة التي تحكمها عادات بالية للمجتمع حينما يمنح شخوصه الأنثوية سُبل التمرد والمسير النضالي من خلال تبئير الذات " Internalize"  وتيار الوعي الذي يظهر في الخطاب القصصي ومشهدية الرسائل ، وهنا أشير إلى أنه يعتمد منهجية تعدد السُراد وتداخل الإيقاعات السردية بالتناوب بين سعيد الأنباري وكاتبة الرسائل ..

التهجين سمة بارزة للرواية ، حيث يمازج الروائي توفيقي بلعيد عدة أجناس أدبية مع بعضها في معادلة تنتج عنها شكلية الرواية "السياسية" ، أطرافها "السيرة ، الرسائل ، والسرد" ، كل هذه السمات للنص الحداثي تعبر عن دواخل الذات الكاتبة المثقلة بالهم الذاتي والعام وهواجس الحبكة الدرامية التي تدير عجلة الأحداث ..  

توفيقي بلعيد شاعر وروائي مغربي ، حاصل على شهادتيّ الباكالوريا ، والكفاءة التربوية ، وعلى شهادة الجامعية الربيعية لحقوق الإنسان ، وشهادة تكوين المعهد الشبابي لحقوق الإنسان . يعمل قيماً لمكتبة مدرسية ، عضو اتحاد كتاب المغرب .

صدر له : مجموعة شعرية "منعطفات سائبة" ، رواية "ذاكرة الجراح" ، رواية "مسارات حادة جداً" الصادرة عام 2012 ،:مجموعة شعرية "قصائد واجمة" ومتقاعد مسؤول عن دار كلمات للنشر.