تهافت النخبة

رابطة الكتاب الأردنيين كيان نقابي فئوي له خصوصيته، والانتخابات التي عقدت مؤخراً أثارت ضجة تجاوزت أروقة الرابطة ومثلت إلى حد كبير صدمة لدى الوسط الثقافي من أعضاء النقابة ومن خارجها، ومجموعة من الظواهر المتعلقة بالفعل السياسي في الأردن، فالرابطة هي كيان (مُسيس) لأسباب عدة، من أبرزها بالطبع أن مختلف الكتل في الرابطة دفعت بالجانب السياسي ووضعت تقديم حزمة من الخدمات لأعضائها في الخلفية، وهذه مسألة ليست جديدة، كما أن الرابطة تشكل قطاعاً عرضياً للنخبة في الأردن، والقياس على سلوك النخبة ومواقفها من الديمقراطية ينذر بمشكلة جذرية في العقلية السياسية بشكل عام.
بمجرد أن أعلنت النتائج وأسفرت عن خسارة فادحة للتيار الذي فرض هيمنته في الدورتين الأخيرتين في إدارة الرابطة حتى بدأت سلسلة من التراشق اشتملت على قاموس متكامل من مفردات التخوين ومحكمة مكتملة الأركان للتفتيش في النوايا، عدا بالطبع عن ميول واضحة للمبالغة التي تجافي الموضوعية المطلوبة في نخبة ثقافية يفترض أنها تمتلك الأدوات المعرفية اللازمة من أجل أن تؤسس لنموذج (طليعي) في الممارسة الديمقراطية، ولسنا بالطبع في سياق تكرار الاتهامات أو مناقشتها، ولا يمكن بالطبع لمن يعترضون أصلاً على تسييس النقابي بوصفه ضرباً وتفريغاً للإطارات الحزبية أن يتحيزوا لطرف دون آخر، فالطرفين لا يوصف أي منهما بأنه على صواب بالمطلق أو متورطاً بالكامل في الجانب الخطأ، وكلاهما في موقعهما الخاطئ، فالانتخابات ذات الطبيعة النقابية عليها أن تتوجه لخدمة جمهورها من أعضاء الرابطة الذين يدفعون اشتراكات ويقدمون التزامات أخرى من حقهم في المقابل أن يحصلوا على خدمات تساعدهم على أداء رسالتهم الفكرية في ظروف معيشية مناسبة.
كلا الطرفين لم يكن تركيزه على ذاته، ولكن على الآخر، فالمنتصرون لم يعلنوا انتصارهم ولكنهم أكدوا أولاً أنهم ألحقوا هزيمة (ساحقة) بالطرف الآخر، والمهزومون لم يلتفتوا إلى واقع هزيمتهم، عدا بالطبع عن إجراء النقد الذاتي الضروري والوقوف على أسبابها الحقيقية، ولكنهم انصرفوا لاعتبار أن انتصار الآخر هو المشكلة الأساسية، وهذه مشكلة مستوطنة في العقلية السياسية الأردنية تمتد على مختلف المواقع والظروف، بحيث تشابهت انتخابات الرابطة التي يفترض أن تكون درساً في الممارسة الديمقراطية وإبداء الاحترام المتبادل مع الانتخابات البلدية القائمة على مناكفات عشائرية، والمشكلة أن موضوع الخلاف الرئيسي لم يكن ليتعلق بصورة مباشرة بأي من أعضاء الرابطة، إلا إذا كان بعضهم مستفيداً أو متضرراً بصورة مباشرة من النظام السوري، وبالقطع فهذه النسبة لا تشكل نصف بالمائة من أعضاء الرابطة.
بالمناسبة يختلف الأردن في هذه المرحلة عن فرنسا الستينيات، ومن يعتقدون بأنهم يطاولون في القامة والمواقف سارتر ومالرو عليهم أن يتذكروا حقيقة بسيطة أن فرنسا كانت دولة استعمارية تتصاعد فيها نزعات التطرف والتوحش بالتزامن مع أفول مجدها الاستعماري، وكانت فرنسا ترفض ضمنياً الاعتراف بأنها فقدت مكانة الدولة العظمى في الحرب العالمية الثانية، بينما الوضع في الأردن بعيد عن ذلك تماماً، فالأردن دولة محدودة الإمكانيات وتحاول أن تبدي أعلى قدر من الانضباط السياسي والحس الأخلاقي في مواقفها من الأزمة في سوريا، والأردن تحتاج لأن يتحول وعيها النخبوي إلى مهمة التثقيف والقيادة من خلال الممارسة لا أن ينقسم على ذاته بصورة مقلقة، وعلى الأقل محبطة وغير مشجعة.