السحر الذي يملكه الملك
أخبار البلد- خالد فخيدة
يسجل جلالة الملك عبدالله الثاني كل يوم نجاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تعزز من مكانة الاردن دوليا وكذلك الحفاظ على سيادته في اتخاذ قراراته المصيرية.
وسياسة تنويع مصادر دعم الاردن وتسويق فرص الاستثمار في الاردن عالميا التي انتهجها جلالته منذ تسلمه سلطاته الدستورية ومواقفه التاريخية سواء على المستوى الداخلي الاردني او الاقليم او العالم، ساهمت في تعزيز منظومة الامن الوطني والتي كان لها انعكاساتها الايجابية على كافة الصعد خاصة في درء النار التي تأكل الاخضر واليابس في محيطه الحدودي.
وهذه الحنكة التي وأدت مؤامرات ومخططات جعلت العالم يثق برؤى الاردن السياسية ورسالته التي اهلته بكل اقتدار ليكون رقما يحسب له حساب وصوتا تنحني له كل القوى الدولية احتراما ليغدو المجتمع الدولي على ايمان بان الاردن بوابة سلامهم وسلام المنطقة التي ما زالت ترزح تحت وطأة افشال اسرائيل المتواصل لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ولذلك، لم يعد هاجسا ذلك السؤال عن سر ثقة كل المتناقضات الدولية بالاردن وقيادته، فكما تفتح واشنطن والولايات المتحدة الامريكية ابوابها لاستقبال جلالة الملك عبدالله الثاني كذلك تفعل غريمتاها في سباق القوى الدولية روسيا والصين. ومرد السؤال ان الدول المحسوبة على روسيا مثلا لا يرحب بها في البيت الابيض والعكس صحيح. وعليه يقيس السائل، ما الذي يمتاز به الاردن عن الاخرين، فهو على العكس ليس غنيا مثل غيره بالموارد الطبيعية ولا يوجد لديه من الدعائم الاقتصادية ما تجعله في هذه المكانة العالمية، فهل من سحر خفي دفع الاردن الى ما هو عليه الان من اهمية دولية، كما سألني صديق سياسي واعلامي عربي.
الملك لا يملك عصا سحرية، ولكن قوته يستمدها من رؤيته ومصداقيته ولحمة شعبه وتاريخ بني هاشم الذين امتازوا على مر الدهر بانهم صناع دول ويتمتعون بقدرات فائقة في استثمار الفرص وتحويلها الى مكاسب مجتمعية سياسية واقتصادية، والاهم انهم يفهمون لغة الشعوب لقربهم منها والتصاقهم بها والوقوف على قضاياها وجديتهم في الاخذ بيدها والنهوض بها وبمستقبلها.
ومن اسرار هذه القوة، احترام سيادة الاخرين، والملك كان دوما وما زال مع الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، ويؤكد جلالته علىالدوام ضرورة تعزيز السلام وان سلامة الشعب فوق كل اعتبار وان الدستور وتعديلاته الواسعة انذاك تعزز من حكم الشعب لنفسه.
والحقيقة ان صعوبة المرحلة والمؤامرات التي اراقت دماء الابرياء في العراق وسوريا واليمن وتونس ومصر لم تجعل هذه الاسئلة من التابوهات المحرمة، وليس من باب العاطفة ان نفخر بشعبنا الاردني الواحد الذي هتف بالشوارع وكتب في كل وسيلة اتصال بانه « يريد سيدنا ابو حسين» ليخبو صوت المأجورين الذين لم يجرؤوا على تلك الهتافات التي سمعناها في دول شقيقة، فحاولوا التشكيك برمزنا وكانت النتيجة بان الاغلبية الصامتة تحركت في عرس ديمقراطي الى صناديق الاقتراع لتقول كلمتها، فكان ان جر هؤلاء ذيول خيبتهم وهربوا الى جحورهم، وانتهت الحكاية بتشكيل اول حكومة بمشاركة البرلمان، وبداية مرحلة تطوير جديدة رسم مضامينها صاحب الجلالة في اوراقه النقاشية الاصلاحية الخمس المشهورة.
والملفت للانتباه ان ما اشر إليه الملك في هذه الاوراق نجني ثماره هذه الايام. فطول عمر الحكومات في الدوار الرابع وكذلك استكمال مجلس النواب فترته الدستورية، وتفعيل العمل التشريعي في مراقبة اداء السلطة التنفيذية ساهمت في خلق بيئات تشريعية لتشجيع الاستثمار ولتطوير الحياة السياسية من خلال مربع قوانين الاصلاح السياسي الاحزاب والبلديات واللامركزية وحاليا الانتخاب الذي ادرج على جدول اعمال الدورة الاستثنائية.
ومهما تعددت الملاحظات على اداء السلطتين، وهذا يفترض ان يكون موجودا في الحياة الديمقراطية، الا ان مغادرة مربع حكومات قصيرة العمر كان له اثره في عودة مستثمرين للتفكير بالاردن مجددا بعد معاناتهم الطويلة مع قرارات كل حكومة جديدة وعودتهم مع كل تشكيل جديد الى المربع الاول فيما يتعلق بترخيص استثماراتهم واخراجها الى حيز الوجود والتنفيذ.
ورغبة الملك في ان تقضي الحكومة والبرلمان العمر الدستوري ما لم يكن هناك طارئ او رؤية او احداث تفرض رحيلهما، ينصب في هذا الصدد الذي يؤدي في المجمل الى تكريس مفهوم الدولة المدنية والمؤسسية والتي يرتبط اداؤها العام بالتشريعات وليس باجتهادات رؤساء الحكومات والوزراء.
اما الفساد الذي اتخم الحديث فيه، فالاردن يعيش هذه الايام تداعيات معارك الدولة المتواصلة مع هذه المؤسسة التي تم فكفكتها ويجري التحقيق في العديد من قضاياه، ومنذ سنوات واجهزة الرقابة بالمرصاد لاي تجاوزات اما الاداري فطبيعة الحال ان العمل لم يتوقف لتصويب نتائج سياسات سابقة يمتد عمر بعضها الى اكثر من عشرين عاما ماضية.
ما يعيشه الاردن هذه الايام هو التعافي من امراض الماضي، فابواب القصر الملكي العامر مفتوحة للجميع، والملك يستمع الى الجميع، ولكن قلة من يجلسون في حضرة جلالته لعرض المشاكل وتقديم الحلول.