ليسوا أعداءنا!

للأسف، ذهبت وعود الحكومة والمفاوضات الشاقّة بينها وبين "المبادرة" النيابية، وكل السجال الإعلامي والسياسي المصاحب لتلك الجلبة، أدراج الرياح؛ فلا تعني بطاقة التعريف التي حصل عليها "أبناء الأردنيات" من دائرة الأحوال المدنية أكثر من اعتراف الدائرة بها، بينما قيمتها لدى مؤسسات الدولة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وكلفتها (الـ50 ديناراً) على أبناء الأردنيات، مع التعب في الحصول عليها، أكبر بكثير من المنفعة المترتبة عليها!
أمر لا يصدّق فعلاً أن تنسلخ الحكومة نفسها من "المزايا الخدماتية" التي منحتها هي لأبناء الأردنيات، حتى بعدما تمّ تقزيمها من "حقوق" إلى "مزايا"، يفترض أنّها من الحقوق الأساسية في أيّ دولةٍ تحترم الإنسان وكرامته وحقوقه.
من القصص التي ما نزال نتابعها مع الحكومة (بجهود أصدقاء من الوزراء مشكورين)، قصة موظفّة من بنات الأردنيات، والدها من غزّة؛ وُلدت وعاشت في الأردن، وتعلّمت هنا، وعملت في شركة خاصة. وتريد اليوم، وهي في بداية الأربعينيات، أن تشتري شقّة تتملكّها لتعيش مع والدها ووالدتها (وهما كبيران في العمر ومريضان)، فلا تستطيع تسجيلها باسمها لأنّها غزّية، ولا باسمهما خوفاً -بعد عمر طويل- من مشكلات التركة والوراثة وتعقيداتها.
تتساءل هذه المرأة؛ ألا يحق لها التملك، ليس بوصفها ابنة أردنية، من المفترض أن المزايا الخدماتية تعطيها هذا الحق -المسلوب منها أصلاً!- بل تطالب أن تتم معاملتها مثل أي إنسان يأتي إلى الأردن وله الحق في التملك؟ لماذا لا يعتبرونها سورية أو عراقية أو فرنسية أو حتى سيريلانكية؛ فالكل يحق له التملك والاستثمار إلاّ أبناء الأردنيات من الضفة وغزة؟!
ما نزال ننتظر موقفاً من مجلس الوزراء في هذه القضية، وهي اليوم بين يدي الرئيس. لكنّ القصة أبعد من أن تكون شخصية، فهي قضية عامة تهمّ عشرات الآلاف من أبناء الأردنيات (تحديداً من الضفة وغزة)، ممن لا يطالبون اليوم بجنسية كاملة، بل بحقوق مدنية وإنسانية أساسية، تعطى لأي "مرّاق طريق"، لكنّهم محرومون منها، بالرغم من إقرار المزايا الخدماتية؛ تلك الخدعة أو الكذبة الكبيرة التي ضحكت فيها الحكومة على "المبادرة" النيابية وعلى الرأي العام الأردني!
لا أجد أنّ الحجج والذرائع التي تقدّمها الرواية الرسمية مقنعة. فالخشية من تفريغ الضفة والقطاع لا ترتبط اليوم بمزايا خدماتية محدودة وبسيطة، ولا يوجد قلق من مخططات الوطن البديل (التي أصبحت فزّاعة ضد أي مشروع إصلاحي)، فنحن نتحدث هنا عن حقوق إنسانية مدنية، اقتصادية-اجتماعية، يمكن أن تعطى لأي شخص مقيم في الأردن!
ثمة شريحة واسعة حياتها اليومية مرتبطة تماماً بالمزايا الخدماتية، وتنفيذها على أرض الواقع يسهّل حياة نسبة كبيرة من السكان في التملك والتعليم والعمل. فبالرغم من أنّ المزايا الخدماتية متواضعة ودون الطموح، إلا أنّها -في الحدّ الأدنى- تسهّل حياة عشرات الآلاف من أبناء الأردنيات، وهو أمر تمّ إقراره والتوافق عليه، فلماذا يجري اليوم التنكّر له؟!
أتمنى من رئيس الحكومة، الذي يؤكّد بأنّ هذه المزايا أصبح معمولاً بها، أن يتأكّد بنفسه، وأن يرسل تعليمات واضحة لدائرة الأراضي والمساحة ووزارتي التعليم والعمل وباقي الوزارات المعنية، بأنّ المزايا الخدماتية يجب أن تطبق، وتسهّل معاملات أبناء الأردنيات، فهم ليسوا أعداءنا أو خصومنا!