من وحي مهاتير

مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، رجل يحظى باحترام كبير على نطاق واسع، فقد جعل بلده مضرب مثل في النهوض الاقتصادي، والسلام الاجتماعي، وها هي التجربة الماليزية تشكل اليوم حافزا قويا لكثير من الدول التي تسعى إلى تحقيق نهضة مماثلة، ونحن في الأردن سبق وأن أشرنا إلى تلك التجربة مرارا وتكرارا، وفي مناسبات عديدة.

زيارة مهاتير محمد لبلدنا تزامنت مع إعلان رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور عن مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي جاء مستجيبا لرغبة عامة بوقف العمل بنظام الصوت الواحد «سيئ السمعة» الذي تعتقد الأغلبية أنه أضر بصورة ودور مجلس النواب، وأحبط دور الأحزاب في الحياة السياسية للبلاد، وإن كان هناك من يعتقد أنه حقق مآرب أخرى، وصان الحياة البرلمانية من تجاذبات من شأنها الإخلال بتوازنات نحن في غنى عنها.
وكرجل يتمتع بالمصداقية والموضوعية قال مهاتير محمد إنه يعتقد بوجود تشابه بين ماليزيا والأردن في التنوع الاجتماعي للسكان، وأن الأردن قادر على النهوض والتقدم من خلال الإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، وتوفير بيئة مناسبة لصناعة المورد البشري الذي يتميز به الأردن.
ماذا يفهم من هذا الكلام سوى أن تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية هو العنصر الأهم لتحقيق النهوض الاقتصادي، الذي يستند أساسا على القوى البشرية، التي تعمل في مختلف القطاعات، وهي مدربة قادرة وفاعلة من ناحية، مستفيدة من عائدات التنمية الشاملة، التي تزيد من دخل الفرد، وتقلل نسب الفقر والبطالة من ناحية أخرى.
عشرون حزبا أردنيا يرون أن قانون الانتخاب الجديد أعطى الأولوية للتمثيل الاجتماعي على التمثيل السياسي، وهم ينتقدونه من هذه الناحية، في حين يقول لنا صاحب التجربة الناجحة أن العملية السياسية ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي جزء من عملية النهوض الشاملة التي لا تتحقق إلا عن طريق النهضة الاقتصادية التي محورها الإنسان حين تتاح له فرص العمل المناسبة في محيطه الاجتماعي أولا، وضمن إستراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار كل مقومات النجاح.
من المؤكد أننا سندخل في نقاش معمق حول القانون الجديد، وشخصيا شعرت بتزامن ذلك مع زيارة مهاتير محمد لبلدنا بالتفاؤل، خصوصا وأنه منحنا من الايحاءات الايجابية ما يجب أن نأخذه في الحسبان ونحن نبحث في شؤوننا العامة لكي نرتقي إلى ما بلغته ماليزيا من قيمة حضارية قائمة على توظيف التنوع الاجتماعي، والتنظيمات السياسية والقطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها القطاع الخاص، توظيفا وطنيا راقيا.