القلب في النهاية ينتصر لليتم في رواية "توما"

 

اخبار البلد


بقلم : صابرين فرعون


توما "اسم آرامي يعني التوأم" ، وكان له من اسمه نصيب ، ففي النهاية قد وجد حبيبته سلام التي عوضته حياة اليتم وألانت قلبه وملأته بالعشق والهوى بدل الألم الذي رافقه في محطاته منذ جاء للدنيا ، فقد توفيت والدته وهي تلده ولم يحتمل زوجها فراقها ومات بعدها ، فنشأ توما لّطيماً في كنف جدته والخادمة مريم ، حتى بلغ السادسة من عمره ورحلت أولى المربيات مريم عنه عندما جاءها ابن خالتها يطلب يدها للزواج ، ثم توالت نكباته ، فماتت الجدة وانتقل عمه وأسرته لبيت الجدة ، ورفض عمه الجشِع أن يسمح لخاله أن يأخذه للعيش معه في إيطاليا لكنه سمح له بكفالته في دراسته وملبسه .. كان العم وزوجته يحملان حقداً دفيناً تجاه أبي توما "حسام" ، كان العم يغار من نجاح أخيه وتفوقه وكانت زوجة العم تحقد على حسام لأنه لم يخترها زوجةً له بدل بيسان أم توما وقد قام الاثنين بالإضافة لابنهما قصي بصب جام حقدهم على توما بعد أن لم يبقَ له من أحبابه سوى صديقه جورج وأستاذه زياد يعينانه على مصابه ويسندانه لنهاية الحكاية .. أنهى توما دراسته الثانوية بتفوق ودخل الجامعة ليدرس الفلسفة ..
برغم كل الصعاب ، كان يحمل كلمات خاله في آخر مرة رآه فيها "كن قوياً" ليستجمع قواه ويتغلب على احتياجه لحضن أم يرتمي به وعناق أبٍ يحمل اسمه ..

في خطبة صديقه جورج ، التقى "فتاة أحلامه" بالمعنى الحرفي ، فقد كان يرى تلك الفتاة في حلمه بملامح غامضة لا يظهر منها سوى عينيها وشعرها الأسود الطويل وبعد أن تحقق حلمه بلقاء توأم روحه تكتمل الحكاية بارغام أبيها والذي بالإضافة لقماره بالمال قامر بابنته حين تقدم قصي لخطبتها وأغراه بالمال والجاه ، ولكل طامعٍ نهاية تليق بجشعه ، كذلك ينتصر الحب ويتكلل بزواج توما وسلام ..

اعتمد يسار زياد في روايته "توما" تقنية القطع السينمائي ودمجها مع تقنية الاسترجاع الفني ، حيث يكتب عن محطات معينة لتوما ، يستدل بها القارئ على حياة اليتم لدى بطل الرواية ، مستذكراً بعض الأحداث كرسالة خاله حمزة التي احتفظ بها ولم ينس كلماته له ..

يقول طرفة بن العبد :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً ...على المرء من وقع الحسام المهند

إن الرواية في فكرتها العامة تتطرق لطبيعة العلاقات الانسانية ، في المكان الذي أسس له الراوي كفضاء حقيقي للرواية وهو جبل عَمّان ، حيث عُرف عن المكان "عناق الجوامع للكنائس" دلالة على الأُخوة والترابط ، وهو ما لقيه توما من تعويض عن حرمان الأسرة في أسرة رفيق دربه جورج ، فقد رافقته تلك الأسرة  للنهاية واعتنوا به ، بعكس أسرة عمه التي كالت له الموت بموازين مغشوشة لا عدل فيها ، وتُستثنى من أسرة عمه ابنتهم ندى البكماء التي نبذوها لإعاقتها وسعوا لتحطيم زواجها بيوسف ، فأخذ توما بيدهما وانتزع موافقة عمه مرغماً على تزويج ابنته لحبيبها .. 

يضع البشر الحواجز والعراقيل في علاقاتهم وليس القدر ، فقد جُبل الإنسان على الخير والمحبة بالفطرة ولكنه متمرد – بشكل عام - ولا يشبع ، سادي يبحث عن الوجع ويتلذذ في وضعه عقبة أمام الناجحين ، نزعة الغيرة والحقد تعمي بصيرته ليؤذي من لا ذنب لهم .. 

لنا أُسوة حسنة في رسولنا الكريم –عليه الصلاة والسلام- فقد كان لطيماً "فقد والديه وهو صغير" واصطفاه الله سبحانه ليكون آخر الأنبياء والمرسلين ..

يسار زياد كاتب فلسطيني من قرية برقة قضاء نابلس مهندس كهرباء يعمل في دول الخليج منذ 2006 أتم الدراسة الثانوية و الجامعية في الأردن بدأ الكتابة في عام 2014 من خلال رواية توما ..