"الانتخاب" يحسن المزاج العام

في زاوية "شارك برأيك"، طرحت "الغد" مؤخرا سؤالا حول رأي الأردنيين بمشروع قانون الانتخاب الجديد. ومن بين عشرات الردود والمشاركات، لم أعثر على رأي واحد يعارض القانون. المشاركات كلها تقريبا صبت في باب تأييد القانون المقترح، والثناء على شجاعة الحكومة بإلغاء "الصوت الواحد" وتبني نظام التمثيل النسبي.
وهذه حالة نادرة بالفعل؛ ففي مناسبات سابقة، استفتت فيها الصحيفة آراء القراء، كانت الردود في الغالب معارضة ومنددة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتشريعات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ما الذي يمكن استخلاصه من هذه "السابقة"؟
أولا: التيار العريض من الرأي العام ليس سلبيا كما نعتقد، ويتجاوب مع الخطوات التي يرى فيها مصلحة وطنية وتستجيب لمصالح الأغلبية.
ثانيا: رغم الموقف الشعبي السائد من حكومة د. عبدالله النسور، وحالة التذمر والشكوى من سياساتها الاقتصادية، وطول إقامتها في "الدوار الرابع"، إلا أن الكثيرين يملكون الشجاعة لدعمها على موقفها المتقدم من قانون الانتخاب، لا بل فتح صفحة جديدة معها، إذا ما تمكنت من إقرار القانون بصيغته المطروحة.
ثالثا: أظهرت تعليقات المشاركين تطورا في وعي الناس بما يفوق النخب. فهم لم يؤيدوا القانون لأنه تجاوز نظام "الصوت الواحد" فقط، وإنما لأخذه بمبدأ التمثيل النسبي، والذي عده الكثيرون خطوة متقدمة في القانون.
إن أفضل السياسات والقرارات هي تلك التي تتوافق عليها الحكومات والمواطنين.
حكومة النسور تبنت سياسات كانت تعرف مسبقا أنها غير شعبية، لكنها اضطرت إلى السير فيها كما تقول، خدمة للمصلحة العامة. وقد جازفت بشعبيتها، لدرجة أن رحيل الحكومة صار مطلبا عاما.
أعتقد أن إقرار قانون الانتخاب بالصيغة المتقدمة، نقطة تحول كانت الحكومة في أمسّ الحاجة إليها للخروج من عنق الزجاجة، واستعادة الزخم المطلوب للاستمرار حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. فلأول مرة على ما أعتقد، يلتقي الرأي العام وحكومة النسور في مربع واحد، بعد حالة من الشد والتجاذب استمرت طويلا.
الأردنيون عموما كانوا في مزاج سيئ. وما كان بالإمكان أن تستمر الحال على هذا النحو طويلا، لما لها من تداعيات سلبية في المستقبل. لم تكن الظروف لتسمح بخطوات في الميدان الاقتصادي، نظرا لمحدودية الخيارات، بل انعدامها تقريبا. فكان البديل هو ميدان السياسة، وتحديدا ملف الإصلاح السياسي، وفي القلب منه؛ قانون الانتخاب.
لقد قلبت "المفاجأة" الحكومية مزاج الكثيرين. وشعر قطاع واسع من الأردنيين بأنهم بصدد الإقلاع من جديد، بعد سنوات من المراوحة في منتصف الطريق.
تجربة المرحلة السابقة، علمت الناس أن وجود برلمان قوي يعني الكثير لحياتهم ومستقبلهم. وقوة البرلمان ليست بوجود معارضة شجاعة وبناءة فقط، وإنما نواب على قدر المسؤولية، سواء كانوا من المؤيدين للحكومة أم معارضين.
مزاج الأردنيين تحسن بفعل جرعة صغيرة. ويمكن أن يتعافى تماما إذا ما واصلت الدولة السير بثبات على خط الإصلاحات في كل شؤون الحياة العامة. ما يزال أمامنا الكثير لنحققه، فالفوضى من حولنا تمنحنا فرصا لم تخطر على البال.
آمل من بعض أحزابنا أن تطالع آراء الناس في زاوية "الغد" الإلكتروني، لتعرف كم هي بعيدة عن الناس.