دموع مَوسميّة!!

خيري منصور

لو ذَرَفَ العالم بملياراته السّبعة من الدموع على الطفل «ألان» بما يكفي لاغراقه مرة أخرى لما تغير في الأمر شيء فقد ذرفت من قبل دموع غزيرة على الطفل محمد الدرة وعلى محمد خضير وسائر السلالة البريئة الخالدة التي دفعت ثمنا لخطايا لم تقترفها بل اقترفها البالغون.

انها دموع موسمية، سرعان ما تجف ويعود كل شيء الى ما كان، فالشّر يبقى طالما بقيت مصادره سواء كان ارهابا وتطرفا أو فقراً وفوضى وطُغيانا!.

ما أصابنا بالقشعريرة حتى النخاع هو ما قاله والد الطفل الذي لم يستيقظ بعد من حمّى الكارثة بعد أن فقد اسرته كلها، قال، انه يريد أن يعرف ما اذا كان ابنه جائعا أو عطشان، ونسي أنه رحل الى عالم لا جوع فيه ولا ظمأ، ومهما حاولنا استبطان أو تقمص هذا الأب الثاكل فإن الأمر يبقى في حدود الخيال.

كان الطفل الفلسطيني الذي احرق حيّاً الناطق التاريخي لا الرسمي بواسطة لحمه المتفحم باسم ملايين الاطفال الذين استباحهم عصر بلغت فيه النذالة -لا السّيل- الزُّبى، بكينا على هؤلاء واحداً بعد الآخر ونسيناهم ايضا واحداً بعد الآخر لأن البعد الاخلاقي محذوف من محيط هذه الدائرة التي تطوق اعناقنا كحبل المشنقة.

ولا ادري لماذا تذكرت في موسم البكاء العابر قصيدة لروبرت فروست مات وكان من دفنوه يفكرون بما سيفعلون بعد الفراغ من دفنه، فالمدين يفكر بدائنه والمريض يفكر بدوائه والسمسار يفكر بالبضاعة التي له حصة من بيعها حتى لو كانت لحماً بشرياً.

فهل تكفي بضع عبارات مبللة بالدمع كي نتطهر من هذا الشعور العميق بالإثم. ان النار التي التهمت الطفل الفلسطيني لم تحرق حتى جوربا أو منديلاً في بيوتنا، والبحر الذي ابتلع الطفل الكردي لم يصل من رذاذ أمواجه قطرة واحدة الى غرف نَوْمنا.

اننا كمن يقرأ رواية البؤساء لفكتور هوجو وهو يشوي الكستناء و يدفئ اصابعه على مدفأة الحائط فالموت الآن مجرد نبأ ورقم، والشقاء مجرد رواية لكنها مجهولة المؤلف!!!.