الدولة قبل أي شيء!

رفع جبال الزبالة من شوارع بيروت والمدن اللبنانية لا يعيد مفهوم الدولة إلى لبنان. ولا حشد نواب المجلس وانتخاب رئيس الجمهورية، ولا وضع قانون انتخاب يعطي اللبنانيين «حقوقهم» أو ينتهي بمجلس نيابي حقيقي. كل هذا يجب ان يسبقه قاعدة صلبة اسمها: الدولة.
عام 1958 يروي اندريه مالرو احداث العام الحاسم الذي اطاح بالجمهورية الثالثة الفرنسية، وجاءت بالجنرال ديغول ليرأس حكومة «الوحدة الوطنية».. وقتها كانت الدولة غير قائمة: وزير الدفاع لا يجرؤ على زيارة الجزائر، الشرطة في حالة اضراب عن العمل، الفرنك اصبح عملة بلا قيمة.
استدعى الناس، بكل احزابهم الفاشلة، الجنرال ديغول من تقاعده، وقتها شكل وزارة احزاب، لكنه اشترط استفتاء الشعب على دستور جديد، واشترط انتخاب الرئيس من الشعب. لم يدخل في التفاصيل لا مشاكل جيش الهند الصينية، ولا مستوطنو الجزائر ولا أي مشكلة اقتصادية او سياسية الاساس هو: وجود دولة.
لقد لاحظ مالرو ان الجنرال سيلغي مبدأ الاستعمار من افريقيا، وانه سيضع قاعدة لثبات الفرنك، وانه يفهم فساد المعادلة في الداخل: اليمين سقط لدى تحالفه مع حكومة فيشى المتعاونة مع الاحتلال، واليسار يحمل عقدة ستالين في الحزب الشيوعي.
عندنا في الاردن لم نفهم كل جهد جلالة الملك الفكري، بقينا نتحدث عن ربيع عربي غير موجود هنا، ونتحدث عن الصوت الواحد دون ان نتعاطى مع الشعب واشواقه الحقيقية.
السؤال الاول الذي طرحه الملك: هل نريد بناء الدولة المدنية قبل الاصلاح، وقبل كل شيء؟ اذا قلنا: نعم، فاننا نعرف تحديد معالم الطريق.
السؤال الكبير الذي طرحه الملك: هل وضعنا اصابعنا على القوى الكامنة في شعبنا؟ هل نملك ان نحركها لخلق مسيرة متماسكة لغد واضح ومستقبل مزدهر؟
كان ديغول يمد نظره الى العالم: الشيوعية مكّنت روسيا من العثور على كيانها الروحي، وكذلك الصين بالنسبة لفرنسا: فرنسا لم تعد تريد الثورة، لقد فات الاوان، فهناك الذين قادتهم المقاومة الى الرومانسية التاريخية، وهناك طبعاً الخلط بين العمل السياسي والمسرح، انني لا اتحدث هنا عن الممثلين ولكن عن.. المشاهدين.
ويقول مالرو انه سأله حين عاد الى باريس عام 1945 من بريطانيا فاستُقبل بحشود شعبية هائلة: ما الذي لفت نظرك وقتها؟ كيف لقيت باريس؟ واجاب الجنرال بكلمة واحدة: الكذب.
نحن الان فرحون في الاردن لاقرار قانون الاحزاب وقانون البلديات، وقانون اللامركزية، ومشروع قانون الانتخاب، فهذه معالم على طريق واضح، وقد استطاع عبدالله الثاني ان يضع اقدامنا على عتبة.. الدولة.