مفاجأة سياسية


 

أقل ما يمكن أن يقال عن مسودة قانون الانتخاب الجديد أنه ولد بدون مخاضات مصدرها ساحة النخيل أو الطرقات المحاذية للمسجد الحسيني في وسط البلد.
أولويات الدولة أمنيّة بحتة في وقتٍ تقلصت فيه الضغوطات السياسية الداخلية إلى حد التلاشي ولم يعد فيه للتكتلات اليمينية أي أثرٍ يذكر على هذا الصعيد فالهم الأمني سيد الموقف وحرائق الجوار المتفاقمة مع تبعاتها تشكل حالة حرب اقليمية لا تسمح بمبادرات اصلاح سياسي بل يكاد يكون تبني أي منها في هذه الاثناء بمثابة ترفٍ سياسيٍّ.
حتى دعوات الاصلاح السياسي باتت خجولة أمام المشهد الاقليمي المشتعل وفقدت صوتها في غمرة القلق والترقب لما سينتهي اليه الموقف العسكري والسياسي في الجوار.
يسجل للدولة أنها لم تلعب على وتر الحرب الاقليمية لتتنصل من التزامها بالاصلاح السياسي فقانون الانتخاب الجديد خرج بمبادرة اصلاحية لم تكن منتظرة في هذا التوقيت تمثلت بوأد «الصوت الواحد» واطلاق «القائمة النسبية المفتوحة» والتصويت لمرشحين بعدد المقاعد النيابية المخصصة للدائرة الانتخابية.
رغم الأجواء الايجابية التي أشاعها القانون الجديد، خرجت مجموعات من الأحزاب السياسية محتجة على عدم تخصيص قوائم للأحزاب وعلى الغاء القوائم الوطنية وفي بعض الأحيان اتهام القانون الجديد بعدم الخروج من مربع الصوت الواحد.
بدون مواربة، هذا مرده قلق هذه الجماعات السياسية من حصولها على حصة تبعاً للقانون الجديد.
الأحزاب حريُّ بها أن تُخرج نفسها من معادلات المحاصصة والعمل السياسي الحقيقي لا يجب أن ينتظر دفعة من الحكومات فعندما فاز يعقوب زيادين نائباً عن القدس في عام ١٩٥٦ وهو الشيوعي المولود في الكرك لم تسنده لا محاصصة سياسية ولا طائفية بل أجواء سياسية برامجية لم تخلقها حكومات بل احزاب وجماعات سياسية اقنعت الناس وأدمجت برامجها في طموحاتهم وآمالهم.
و عندما حصل الاسلاميون في برلمان ١٩٨٩ على ثلث مقاعد البرلمان تقريباً وشاركوا بعدها بخمسة وزراء في حكومة مضر بدران فعلوها من خلال قانون شبيه وتحالفات على مستوى المحافظات.
لا يحق للأحزاب أن ترمي بضعفها وفقدانها لأثرها في القواعد الشعبية وهو الحال الآن على الحكومات وصناعة القوانين.
قانون الانتخاب الجديد يفتح مجالاً كبيراً للعمل السياسي إن اتقنت الأحزاب فن اختيار مرشحيها واختراق القواعد الاجتماعية وعقد التحالفات الناجحة.
البُنى الاجتماعية وصلت لمرحلة متقدمة من اليأس من دور نواب الخدمات وهذه لحظة راهنة يجدر بالأحزاب والجماعات السياسية استغلالها والبناء عليها برامجياً وسياسياً بالتحضير لغزو القواعد الاجتماعية واحداث التغيير.
القواعد الاجتماعية تضم أغلبية من الشباب الطامحين للتغيير والدور على من يستقطبهم لصفه.
لا يجدر بالاحزاب أن تستعطي للحصول على دور وطني فوجود حراك وطني حقيقي منوط بفاعلية الأحزاب وقدرتها على تحقيق خروقات في القواعد الشعبية.
تغفل الأحزاب اليمينية واليسارية حقيقة أن الناس فقدت ثقتها بالبرامج الحزبية التقليدية وأن ذلك كان أحد اسباب دفع التمثيل الخدماتي للواجهة وتغفل الأحزاب الوسطية أن برامجها واحتضانها للباحثين عن ادوار ومناصب سحقت فرصها في صنع قواعد شعبية حقيقية لها.
القوائم الوطنية أيضاً كانت تجربة هزيلة لم ينجم عنها فعل برلماني برامجي حقيقي.
على اختلافي السياسي مع نهج «مبادرة» النيابية، لا أُغفل أن هذا التكتل الذي واجه مقاومة شرسة من المحافظين كان أنجح حركة برلمانية فرضت نفسها بأفكار خلاقة جذبت الحكومة للحوار وتفوقت على كل الأحزاب السياسية التي لم تخرج ببرامج سياسية متجددة وترزح في سبات سياسي عميق تنتظر من يوقظها.
الأجواء السياسية ايجابية وأي جهد لعرقلة مبادرات الاصلاح الجارية هو جر للبلد الى حالة الجمود السياسي مرة أخرى.