صورة التعليم في المدارس الخاصة

أخبار البلد -  ياسين الجيلاني

 
 
 
 

 

الحق؛ أن نهج المؤسسة التربوية الحالي، والجهود المخلصة، التي يبذلها وزير التربية، تصب تماماً في تطوير التشريعات التربوية، وتطوير النظام التعليمي ومناهجه، وفق مستحدثاته العلمية والتكنولوجية وروح العصر، والإرتقاء باساليب التدريس ووسائل التقييم ونظام الامتحانات المدرسية والثانوية على حد سواء.
وفي الحق؛ أن ازدياد المدارس الخاصة، له دلالات تربوية، اجتماعية، اقتصادية وحضارية، من شأنها أن تعكس تحديات العصر في المنافسة التعليمية، وفي تجسيد خصائص المجتمع وقيمه ومبادئه، وتحقيق البناء التعليمي الحضاري في مستويات التعلم كافة، ورفد ديمقراطية التعليم. فالمدارس الخاصة هي الشريك الاستراتيجي والزند القوي مع المؤسسة التربوية، في تحمل أعباء مرحلة التطوير، ومعالجة أزمة التعليم الحالي، وتصويب مسارات العملية التعليمية، وصولاً إلى التكامل التربوي المنشود.
ومن وقفة تقييم وتشخيص للوضع التعليمي وصورته التربوية في المدارس الخاصة، سواء أكانت مدارس يملكها شخص أم أكثر، أو كانت ضمن جمعيات ثقافية دينية أو خيرية، أو كانت مدارس ضمن مؤسسات وطنية مساهمة، فالأصل فيها تحقيق نقلة تعليمية بجودة عالية... إلا أن واقع الميدان التربوي يشير إلى أن بعض المدارس الخاصة - وهم كثر - ما زالت تعاني من المشكلات التربوية ومن الخروج عن النص، خاصة من كثرة تدخل أعضاء مجالسها، في مسؤولية مدارسهم التعليمية والتربوية والإدارية، في حين أن بعضها الآخر يعيش دون مستوى الطموح الذي قامت من أجله، لأن جزءًا كبيراً من القائمين على أمرها، همه الأول جمع المال دون تقديم العلم، وبعضها لا يعمل على التثقيف العقلي والتهذيب النفسي والوعي الوطني، وفي عدم المحافظة على القيم الروحية والخلقية: إما لضيق الأفق والتسلط الفكري الذي يمارسه أعضاء مجالسها، أو لأنهم غرباء على الساحة التربوية، أو ممن تنقصهم الخبرة والكفاءة على التعامل مع الحدث التعليمي النوعي، وفقاً للمنظومة التربوية.
نحن لا نبالغ إذا قلنا أن بعض أصحاب المدارس، لا يحمل أي مؤهل علمي أو تربوي، مما يولد الخوف والقلق على مستقبل الأجيال فيها، ومستقبل تلك الصروح التربوية، التي شيدت بإمكانات مالية هائلة... قد يقول مسؤول في المؤسسة التربوية: «أن قانون تأسيس المؤسسات التعليمية، لا يشترط في المؤسسين المؤهلات العلمية، بقدر ما يحرص على مؤهلات المدراء وهيئات التدريس فيها، إلا أن هذا التبرير لا يخدم مسيرة المدرسة، التي غالباً ما تتعثر وتتراجع في في أمور كثيرة أهمها:
- المدراء في هذه المدارس، لا يمارسون أعمالهم الاعتيادية، كما ينبغي أن تكون، إلا وفقاً لتوجيهات مركزية مجالسهم. هذه المركزية لا تعمل على تدريب المعلمين والمعلمات والعمل على تعزيزهم بالدورات المسلكية والتربوية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ولا يهتمون بتطوير أساليب القياس والتقويم للنهوض بعملية الامتحانات، مثلما لا يعملون على تحليل مستوى تحصيل الطلبة، بدراسة نتائجهم المدرسية، خاصة في امتحان الثانوية العامة. وتفتقر الى المتخصصين في تطوير وتحليل المناهج في كل مرحلة دراسية، لهذا نجد نتائج مدارسهم مخيبة للآمال خجولة دون الأعلان عنها!.
- لا تهيئ جواً من الثقة والطمأنينة بين العاملين لديها، واتباعها أسلوب التمييز كما هو الحال في السياسة الدولية، وفي الفصل التعسفي للعاملين قبل إنتهاء مدة عقودهم الرسمية، وتماطل في دفع أجورهم، وتلجأ إلى ازدواجية العقود للتحايل على العاملين فيها ووزارة العمل، إمعاناً منهم في هضم الحقوق المالية، بغية التوفير وتحقيق الربح، دون أي اعتبارات تربوية أخرى!؟
ومما يؤسف له أيضاً، أن بعض المدارس الخاصة، كثيراً ما يخل بموازين القيم الثابتة، خاصة القيم الروحية والخلقية والاجتماعية بحجة «الحرية الشخصية»، وهذا ما نلمسه في حفلات التخريج والمناسبات الاجتماعية، التي يباح فيها الاختلاط بين الجنسين أثناء الدوام المدرسي... والأسوأ من هذا كله، أن تأتي تجاوزات أصحاب المدراس الخاصة، ليمتد ويطال تحصيل الرسوم المدرسية، إذ يلجأ بعضهم بطرد طلابهم المتأخرين عن الدفع، وحرمانهم من تقديم الامتحانات الفصلية أو السنوية، غير مدركين ما يسببه هذا الاجراء غير القانوني، من مرارة في نفوس الطلبة، وخيبة أمل لدى أولياء أمورهم، ناهيك عن المغالاة في أسعار الكتب وبيعها بأضعاف أثمانها، ويبيع الملابس أو ما يعرف بالزي الرسمي للمدرسة بتكلفة باهظة أيضاً!؟
وفوق هذا وذاك كله، أن في بعض صفوفها، يتعرض الطلبة إلى مشكلات شخصية، جسيمة، عقلية، اجتماعية وإنفعالية، مما تخلق في الصفوف صعوبات تعليمية للطالب، حيث يضم الصف أحياناً أطفالاً أو طلاباً غير أسوياء، وذوي عاهات جسمية، وقدرات عقلية متدنية، ومشكلات سيكولوجية متعددة.
وعليه؛ فإن استمرار هذه الممارسات السلبية في بعض المدارس الخاصة، غير الملتزمة بالقرارات التربوية والتعليمية، يعني، أن طريقها ليس طريقاً مخملياً وإن كانت تحفه الورود والحسان من جهة، والوعود ومخالفة الأنظمة والقوانين من جهة أخرى، وإنما هو طريق مسدود لن يتقدم فيه العلم والمعلم قيد أنمله!؟
وحسبي أن أقول: «أنه كلما توسعنا في المدارس الخاصة، غير الملتزمة بالأنظمة والتعليمات، دون رقابة صارمة من المؤسسة التربوية، خشينا أن يؤدي هذا التوسع إلى جدب في القيم كلها... ترى؟ إذا كانت اثارة مشكلات المدارس الخاصة، غير الملتزمة بالنهج التربوي السليم، لا تحظى برد فعل من وزارة التربية والتعليم، المنهمكة في التطوير والتحديث، فهل تحظى الملاحظات التي يسجلها الميدان التربوي، عند المديرين والمعلمين في المدارس وعند أفراد المجتمع المدني، بشيء من الاهتمام والمعالجة. سؤال يبقى معلقاً عند بوابات وزارة التربية والتعليم.
وبعيداً عن هموم ومشكلات المدارس الخاصة غير الملتزمة بتطبيق القوانين والتشريعات التربوية.... لكن الحديث يحلو عن صور المدارس الخاصة الملتزمة بالقوانين والتشريعات التربوية، سواء أكانت هذه المدارس صغيرة أم كبيرة، فهي القادرة على المنافسة التعليمية، ومجابهة وتحديات الثورة التكنولوجية ومستجداتها، وفي إضفاء الصبغة الحضارية على مدخلات ومخرجات التعليم، مع اهتمامها باللغات الاجنبية المتعددة، وفي تدريس المناهج الوطنية أو المناهج الدولية (Sat. IB. IG) أو الأثنين معاً... هذه المدارس تهتم أكثر بمواد العلوم والرياضيات والمعلوماتية والمواد الإبداعية والفنية، التي باتت سمة العصر ومتطلباته الأساسية، مما يجعل طلابها خزائن متنقلة للمعلومات والمهارات العلمية الذهنية، تمكنهم باقتدار الدراسة في أرقى الجامعات الأجنبية المرموقة، وتضمن لهم الحصول على أعلى المناصب والأعمال محلياً ودولياً، وتكون لهم ميزات متعددة عن أقرانهم في المدارس غير الملتزمة كيفاً وكماً.
وفي الحديث عن الاستراتيجية التربوية للمدارس الخاصة، نجد أن الأصالة في جوهرها، صورة متجددة الأشكال والأنماط ومتكاملة متعددة الاتجاهات أهمها:
التفرد، الإبداع، المحافظة التي تتخذ من القديم نقطة ارتكاز، ومن الجديد محور انطلاق، لتنشئة الاجيال الصاعدة تنشئة اجتماعية سليمة، ضمن المنهج العلمي والانفجار المعرفي وثورة التكنولوجيا وتقنياتها... هي مدارس متفوقة في نواتج التعليم، خاصة في نتائج الامتحانات العامة سواء أكانت وطنية أم دولية، تعمل باستمرار على أن تكون برامجها التعليمية والتربوية تخصصية... تؤمن في التعليم المستمر في إطار التعليم الجامعي...
لعل أقل ما توصف به هذه المدارس، أنها بيئة تعليمية آمنة، تساعد الطلبة على اكتشاف مواهبهم وقدراتهم الإبداعية والفكرية، وصولاً الى قدراتهم الكاملة... تعزز لدى الطلبة الثقة بالنفس وتحثهم على الاستقلالية وتحمل المسؤولية وبناء الشخصية بطرق سوية.... ان وجود معلمين ومعلمات ومشرفين ومشرفات من ذوي الإختصاص التربوي والسيكولوجي، من شأنه تدعيم بناء الذات الطلابية، التي تفتقر لها الكثير من المدارس الخاصة، ذات النمط التقليدي في التعليم.
في الجملة؛ هذه المدارس المتميزة والملتزمة المتعددة الاغراض والاتجاهات، يكون رائدها باستمرار التحديث والتطور، واستشراف آفاق المستقبل، واستقطاب الكفايات العلمية والإدارية، وكل ما هو جديد في عالم التربية الحديثة، للمواءمة بين البعد الحضاري والمفهوم العلمي، وبين اقبال الاطفال والطلبة على المدرسة في حب وشوق.
وأمام هذا كله، فالمؤسسة التربوية بحكم مسؤولياتها التاريخية، مطالبة بتوسيع رقعة ومساحة إدارة التعليم الخاص، للتصدي بحزم للمدارس التي هي بلا رصيد أو قيمة من التعليم الجيد، لأنها مدارس مسحوقة القيم... وأقساطها باهظة، قياساً لما تقدمه!؟ وهي وإن بدت كالصروح الشامخة، إلا أنها مدارس بلا منطق علمي وتصوراتها بلا يقين ونتائجها هزيلة، وغير قادرة على مواكبة العصر تعليمياً وحضارياً. ومطالبة برفد إدارة التعليم الخاص بمزيد من الطاقات والكوادر البشرية والفنية المؤهلة والمدربة، لأن دورها الأساسي لا يكمن فقط في تشجيع الإستثمار في القطاع الخاص، بقدر ما يكون في تربية النشء وتعليمه وإن كانت بداياته مرحلة الصفوف الأساسية الأولى أو ما تسمى مرحلة الحسم التعليمي.
نعم... هل سيتحقق الأمل في الإصلاح الشامل، وفي التطوير للمناهج في كافة المراحل!؟ وهل تنجح وزارة التربية والتعليم اختراق الحاجز النفسي، الذي بناه النظر الى تفضيل ما هو قائم، والإدعاء بريادة الأداء. أوأن ليس بالإمكان أفضل مما كان؟... وفوق هذا وذاك كله، هل ستظل بعض المدارس الخاصة العقيمة تعليمياً وتربوياً تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، دون أن تصل إلى تحقيق التطوير والتحديث في مدارسها؟، هذا هو التحدي الذي يواجه وزارة التربية والتعليم الآن، وهذا وذاك أيضاً، يستدعي جهوداً نوعية، تختلف تماماً عن هذه التي رأيناها ونراها حتى الآن. فهذه الجهود قدمت لنا مخرجاتها التي نعيشها الآن، والتي لم تسجل لنا انجازاً سواء على المستوى التربوي أو التعليمي، بدلالات نتائج الثانوية العامة الأخيرة، وما سجلته من اخفاقات في النجاح وبعدد من المدارس التي لم ينجح بها أحد، فاق عددها عن الـ (300) مدرسة. ونأمل أن تكون وزارة التربية تراه معنا، خاصة وأن وطيد الأمل معقود على شخص وزير التربية والتعليم، الدكتور محمد ذنيبات. الذي يتمتع بالشجاعة والعقلانية.