حدث في انتخابات رابطة الكتّاب!
اخبار البلد- سامر خير احمد
لا أستطيع، أبداً، أن أغض الطرف عمّا آلت إليه الأحوال داخل قاعة الرشيد في مجمع النقابات المهنية بعمّان، بعد نحو ساعتين فقط من انطلاق إجراءات انتخابات رابطة الكتّاب الأردنيين، يوم أمس الجمعة، حين أصيبت أرضية القاعة بحالة مزرية من القذارة، نتيجة آثار الشاي والقهوة والعصائر التي انسكبت من أصحابها على الأرض، وأوراق الدعاية الانتخابية المرمية تحت الكراسي وفي الممرات، فضلاً عن شيء من المهملات التي يفترض أن تحتويها سلّة النفايات، لا أرضية القاعة.
لا أستطيع، ككاتب، أن أغض الطرف عن ذلك، ما دمت أفهم الكتابة -في وضعنا الحضاري الراهن- فعلاً إنهاضياً؛ تسعى للتقدم بالمجتمع وتطويره وتنميته ثقافياً، بخاصة في الجانب السلوكي الذي يهتم بالممارسات، كاحترام النظام العام واحترام القانون وحماية النظافة العامة واحترام الآخر، فكيف يمكن تصديق أن كتّاب الأردن قادرون على مثل هذه المهام الإنهاضية، ما دام هذا سلوكهم حيث لا يتواجد سواهم؟ كيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟!
بل، كيف يمكن تصديق أن كتّاب الأردن واعون لمثل هذا الدور الإنهاضي ذي البعد الحضاري، ما دام ذاك هو سلوكهم حيث لا يتواجد غيرهم؟ في الحقيقة، ليس ممكناً تقييم الإنتاج الأدبي والفكري لهؤلاء الكتاب، بمعزل عن تقييم سلوكهم وتصرفاتهم من زاوية حضارية أيضاً!
أشعر بالأسف، وبالأسى، لذلك المشهد. إنه يعني، أول ما يعنيه، أن الكتابة في بلدنا تبدو تصفيقاً في الفراغ. هل صحيح أن الكتّاب والمثقفين يحملون رسالة حضارية، ويتوفرون على رؤية حضارية؟! أم أنهم يكتبون من دون رؤية؟! ذاك هو عين التصفيق في الفراغ!
على أن الموضوعية تقتضي أن لا نذهب بمثل هذا الرأي إلى التعميم. فإن كنت سأجد عذراً لفئة من الكتّاب، فإن الرابطة اختلط فيها كتّاب حقيقيون ذوو رسالة ونظر، بكتّاب مدّعين، ضعاف الموهبة، فقيري الإبداع، يحسبون على الكتابة من باب المجاملة والتلفيق، حتى صار عدد أعضاء الرابطة نحو ألف عضو، سدد منهم واستعد للانتخابات نحو 550 عضواً، وحضر منهم إلى قاعة الانتخابات فعلاً أكثر من 300 عضو، أستطيع أن أجزم أن قدرة معظمهم على الكتابة الحقيقية، المفيدة والسليمة، التي تضيف جديداً وتقدّم معرفة -أو حتى متعة- للقارئ، لا تزيد كثيراً عن قدرتي على لفّ الملفوف، وهي الحرفة التي لا أجيدها أبداً، رغم إجادتي إعداد أطباق عديدة في المطبخ!
يا لتعاسة الكتابة التي لا بواكي لها. إنها حرفة من لا حرفة له! أليس الأجدر أن يجري تقييم الكتب التي يكتبها "الناس"، قبل قبولهم أعضاء في رابطة تمثل الكتابة في الأردن، وتمثل أحد أبرز وجوه الأردن الثقافية؟ هل يكفي أن يكتب المرء فيصدر "رواية" أو "مجموعة شعرية" أو "مجموعة قصصية" أو "دراسة بحثية"، أو حتى "مجموعة مقالات"، ليصير عضواً في رابطة الكتّاب، من دون أن نتحقق من أن ما أنتجه ينتمي فعلاً، لا شكلاً وحسب، لتلك الأجناس الكتابية؟ أي فعل بائس ارتكبته هيئات إدارية متوالية على الرابطة، وقد قبلت كل من "خربش" بقلمه، وجرّب الكتابة، عضواً في رابطة الكتّاب، فأهّلته بذلك أن يسمي نفسه أمام الناس كاتباً؟!
ليس ما وقع في قاعة الرشيد خلال الانتخابات أمراً معزولاً عن ذلك كله. إنه الاستخفاف بقيمة الكتابة، والدور المناط بالكاتب في مجتمعه. وذلك يفضي إلى أن لا ينتبه الكتّاب المفترضون إلى واجباتهم السلوكية، ولا ينتبهوا -حتى من باب الخجل- إلى ماهية تصرفاتهم أمام الناس، فتراهم يسكبون الشاي على الأرض، ثم يتجهون لصندوق الاقتراع من غير وخز في الضمير!